فجأة ودون سابق إنذار يقرر بعض فرسان مشروع 2011 العودة إلى البحرين، ومواكبة ذلك بتسجيل اعتذاراتهم الركيكة في ذاكرة الألم، وكأن كل ما مررنا به حينها هو مجرد سوء فهم. وكون التصالح مع التاريخ هو سمة من سمات السمو البشري مع تاريخه الاجتماعي، إلا أن العودة، وجملة ما سجل من اعتذارات، هي في مجملها ليست إلا مناورة إعادة تموضع اجتماعي استباقاً للانتخابات البرلمانية القادمة في 2022 بعد انتكاس رايات الولاية.
التصالح مع ذلك التاريخ واجب إلا أنه لم يكن جزءاً من مشروع التائبين حينها، أو في قادم الزمان، وذلك ليس تشكيكاً في النوايا إنما ما تؤكده سرديات مظلوميتهم التي وظفت وستوظف لبناء جدران الفصل الطائفي التي يتنفعون بها على حساب البحرين. فهل ستكون تلك الاعتذارات الركيكة بمثابة التبرؤ من استحقاقات التصالح مع الأمس، أو أن نقبل أن يكون لمثلهم حق تمثيل مشروعهم تحت قبة البرلمان بغرفتيه أو إحدى غرفه.
بالتأكيد إن التحريض على الإقصاء ليس هو الهدف من كتابة هذا المقال، إلا أن القبول بتجاهل استحقاقات التصالح هو كذلك أمر مرفوض. فإن أراد التائبون تأكيد نواياهم، فليرفعوا أيديهم عن تجربة التصالح القائمة، وليحاولوا تقييم الحال بحس مسؤول قبل الانخراط بأي وجه من الوجوه في العمل الاجتماعي أو السياسي. فالتحديات القائمة والمستقبلية منها لم تعد تماثل ما قبل 2011، وكذلك تطلعات الإنسان البحريني لجملة مشاريع التنمية والإصلاح المالي والإداري. هذه المنظومة من التائبين ودجالي المعارضة المأجورة، لم يتورعوا حتى في التشكيك بإدارة واحتواء جائحة كوفيد-19، واستمدت من إرثها الطائفي كل أدوات التشكيك والطعن فيها، في وقت كانت الأرقام وجهود أبناء البحرين تسطر النجاح تلو الآخر. 
لا مكان لاعتبار طائفي في أي مشروع وطني، ويجب ألا يجامل في ذلك ليكون على حساب البحرين، ومرة أخرى، هذا ليس تشكيكاً في النوايا إنما الاحتكام لإرث هؤلاء قبل إعلان توبتهم وعيونهم على مقاعد البرلمان في 2022، أو إحياء الهواجس التي اقتات عليها أمثالهم. فالمواطنة ليست قابلة للاجتزاء سياسياً أو التجيير طائفياً، ويجب أن لا يقبل البحريني بذلك إن أراد أن يكون شريكاً حقيقياً في صناعة تاريخه. وكل مدارس الإسلام المسيس فشلت في تقديم أنموذج لدولة الرفاه أو التمدن الإنساني.
نجاح تجارب الدول مرهون بصناعة التحولات الكبرى، وإرث دعاة التوبة لا يمكن أن يكون أداة من أدوات التحفيز في صناعة تحولات أو تاريخ وطني.
كاتب بحريني