تتعرض الولايات المتحدة - وبصرف النظر عن أن الإدارة الحاكمة في البيت الأبيض «ديمقراطيةً» أو «جمهورية» - لاختبار قاس وصريح مراجعة ما تم من سياسات أمنية واستراتيجية بعد سنوات من أحداث 11 سبتمبر 2021، والذي تزامن معه هذا العام الانسحاب الأميركي من أفغانستان، وترك الدولة الأفغانية تحت حكم «طالبان»، وهو ما سيجعل المنظومة الإقليمية والدولية المعنية بالاستقرار في العالم، وليس في آسيا في انتظار ما هو قادم.

الولايات المتحدة تعايشت مع خطر حركة «طالبان» سنوات طويلة، ومع ذلك انتهى المشهد بصورة مأساوية والتسليم بالانتقال إلى مرحلة جيدة ستعتمد على خيارات أخرى في المواجهة مثلما أعلنت إدارة الرئيس بايدن.

المؤكد أن الإدارة ستدخل في حوار معلن، وغير معلن مع الحركة وقد كشفت زيارة وزير الخارجية الأميركي، «أنتوني بلينكن» عن هذا التوجه. ومن الطبيعي أن تتداخل الخيارات الأميركية للحوار جنباً إلى جنب الإعلان عن خيار المواجهة المباشرة، ولو بطرق ووسائل استخباراتية حقيقية ستبدأها المخابرات المركزية التي أخفقت بالفعل في توقع ما هو جار من سرعة الأحداث، أو تتالي إحكام حركة «طالبان» على الأوضاع الأمنية والاستراتيجية في الداخل الأفغاني بصورة عاجلة على عكس ما هو كان متوقعاً، وكانت الإدارة الأميركية تتعامل من منطق مرحلي والتعجل بالمضي قدماً في الانسحاب سريعاً، تاركة وراءها معدات وأسلحة وعتاداً عسكرياً كبيراً. وفي المقابل - ووفقاً لما يجري في آسيا - ستتم مراجعات حقيقية داخل الإدارة الأميركية في ظل توقع بفتح ملفات من نوعية تقلص شعبية الرئيس الأميركي جو بايدن، حيث يجري الحديث عن البديل من الآن من داخل الحزب «الديمقراطي»، وتفاصيل أخرى متعلقة بالصراع المقبل في الإدارة الأميركية على تركة الرئيس.

ولن يكفي أن يعلن وزير الخارجية الأميركية بلينكين بأن 11 سبتمبر2011 كان سبباً حقيقياً لتغيير السياسة الخارجية الأميركية في العالم، خاصة أن الإدارات الأميركية، وتباعاً لما بعد هذه الأحداث دخلت في صراع مع العالم، انطلاقاً من القاعدة الأميركية «من ليس معنا فهو ضدنا» ولتخرج الجيوش الأميركية لحرب العالم في أفغانستان والعراق وسوريا وغيرها، ولتعمل على إسقاط الأنظمة، والدخول في مواجهات حقيقية كلفت الأمة الأميركية الكثير من النفقات السياسية والاستراتيجية والاقتصادية.

وبرغم أنه قد ثبت بعد ذلك فشل بعض هذه السياسات الأميركية في التعامل، إلا أن الولايات المتحدة ظلت بمنأى عما جرى في العالم من حروب وصراعات، حيث لم تتعرض الأراضي الأميركية لحدث مشابه كبير مثل حدث 11 سبتمبر 2011، وإن وقعت عمليات عديدة لاحقاً في واشنطن أو بعض العواصم الكبرى في العالم، ولكنها ظلت في نطاقها المحدود.

ولعل ما قاله الرئيس جو بايدن من أن «أميركا عادت» معناه تحديد الولايات المتحدة لمهامها الجديدة في العالم، وليس فقط أداء دور أمني أو عسكري مع التخلي عن فكرة شرطي العالم، ولهذا ستضع الولايات المتحدة أولويات أخرى منها الصراع مع الدول الأخرى، وخاصة الكبرى انطلاقاً من قضايا محددة، ومنها التغير المناخي والوباء والأزمات الاقتصادية، وذلك بديلاً عن العمليات العسكرية الكبرى، ولهذا تخطط الإدارة الأميركية لعقد قمة عالمية للدول الديمقراطية لوضع أسس التعامل، وبناء علاقات دولية جديدة مع التركيز على الأولويات الكبرى مع غلق الباب على النزاعات والتطلعات الأميركية للتدخل عسكرياً في الشرق الأدنى والشرق الأوسط وذلك على نطاق واسع. والسؤال ماذا نحن فاعلون في مواجهة ما سيجري أميركياً؟ *

أكاديمي متخصص في الشؤون الاستراتيجية والعلوم السياسية.