في كثير من الأحيان كان جيمس ماليش، الذي نشأ في جنوب السودان، يسهر حتى وقت متأخر من الليل، يستمع إلى والدته وهي تروي الحكايات الشعبية بالقرب من النار. وفي اليوم التالي كان يروي القصص لزملائه في المدرسة، مضيفاً أسلوبَه الخاص المثير. في ذلك الوقت، كان يرى القصص على أنها ترفيه محض، ونوع من المسلسلات التليفزيونية، وطريقة ليكون قريباً من والدته وأصدقائه. ويقول: «لم أكن أعتقد أبداً أن رواية القصص لها القدرة على مساعدة مجتمعك». لكن بينما مزقت الحرب الأهلية تلك الحياة الريفية، وأجبرت «ماليش» وعائلتَه على الفرار إلى الكونغو، ثم إلى أوغندا لاحقاً، اكتسبت رواية القصص أهمية جديدة بالنسبة له. فقد أصبحت شريان الحياة للمكان الذي فقدته عائلته، وطريقة للأشخاص في مجتمع اللاجئين الذي يعيش فيه لتشكيل الكيفية التي يراهم بها العالم.
منذ مايو 2019، أدار ماليش صحفة على الفيسبوك بعنوان «قصص يومية للاجئين»، وهي عبارة عن منصة تشبه منصة «البشر في نيويورك»، تشارك مقتطفات من تجربة اللاجئين في «بيدي بيدي»، أحد أكبر معسكرات اللاجئين في العالم.
القصص والصور التي ترافقهم شخصية وحميمية؛ فنان شاب يرسم بورتريه، مجموعة من الأطفال يقومون بشي البطاطا، وموسيقي يعزف ألحاناً دينيةً ويستعد لحفلة.
إنهم يحاولون جعل الحياة في «بيدي بيدي» –وهو معسكر مترامي الأطراف يضم أكثر من ربع مليون شخص بالقرب من الحدود مع جنوب السودان– حياة آدمية. على صفحة «قصص اللاجئين اليومية»، يقول ماليش إن القضايا الكبيرة التي يواجهها اللاجئون، مثل الجوع ونقص المياه النظيفة وسوء التعليم، يتم التعامل معها بشكل شخصي، لذا فهو يأمل هو والمساهمون الآخرون في الصفحة أن يجعلها أكثر ارتباطاً وقابليةً للعلاج.
ويقول موسى أكول، اختصاصي تنمية المجتمع في «جمعية مركز العون التطوعي»، وهي منظمة إيطالية غير حكومية تعمل مع اللاجئين في «بيدي بيدي»، إنه يجعل مجموعة من الناس يروون قصصهم بأنفسهم، حيث إن «وسائل الإعلام الرئيسية تميل إلى إملاء الشروط حول ما يجب تغطيته عن اللاجئين، دون أن يكون لهؤلاء خيار في القصص التي تتم كتابتها».
بدأ مشروع ماليش بالصدفة. ففي عام 2018، بعد عامين من فراره من جنوب السودان للمرة الثانية في حياته، في خضم حرب أهلية مستعرة، رأى إعلاناً في «بيدي بيدي» عن دورة برعاية برنامج الأغذية العالمي لتعليم مهارات سرد القصص للاجئين في المخيم. وفي ذلك الوقت، كان ماليش متطوعاً في عيادة بالمخيم، فقرر التقديم للدورة.
ويتذكر ماليش قائلا: «أردت أن أفعل شيئاً مختلفاً، وللقيام بذلك، كان عليّ التقدم لهذه الفرصة لأنني لم أرغب في العودة إلى جنوب السودان يوماً ما وأنا نفس الشخص الذي كنته من قبل». وخلال التدريب الذي استمر أسبوعين، تعلم ماليش التصوير الفوتوغرافي وتصوير الفيديو والكتابة لجمهور وسائل التواصل الاجتماعي. وفي نهاية البرنامج، حصل على هاتف ذكي، وبدأ في نشر القصص والصور على مجموعة على الفيسبوك تابعة للبرنامج، وتحمل عنوان «رواية القصص في بيدي بيدي».
وسرعان ما بدأت مشاركات ماليش تجذب الانتباه الخارجي. فقد سافر طاقم من شبكي «بي بي سي» للتصوير مع ماليش الذي قرر إنشاء صفحته الخاصة على الفيسبوك بعنوان «قصص اللاجئين اليومية».
اكتسبت الصفحة زخماً. وعندما كتب ماليش عن تأثير التخفيض الكبير في الحصص الغذائية على المسنين والأمهات العازبات، تقدم قراء في الولايات المتحدة ومواطنون من جنوب السودان يعيشون في الشتات بتبرعات لسد النقص. وفي وقت لاحق، قامت منظمتان غير حكوميتين بإصلاح الصنابير المكسورة وحفر الآبار بعد الانتباه إلى المشكلة عن طريق صفحة ماليش.
تقول روزبيل كاجومير، أحد مدربي ماليش في دورة برنامج الغذاء العالمي، إنه عندما يروي اللاجئون قصصهم الخاصة، يكونون قادرين على «إضفاء الطابع الإنساني على تجربتهم بالكامل»، وهذا يساعد في «سد الفجوات مع المجتمعات المضيفة التي غالباً ما تفشل في فهم احتياجاتهم».
وعندما رأى ماليش التفاعلَ مع صفحته على الفيسبوك بين السودانيين الجنوبيين في الشتات، قرر أن يتوسع وأنشأ منظمة غير حكومية صغيرة تسمى «شبكة الشباب الأفريقي» تعلّم مهارات الأعمال والتكنولوجيا والفن للشباب في «بيدي بيدي».
وحتى الآن، قام ماليش بتدريب 30 شاباً على مهارات سرد القصص التي تعلّمها هو قبل ثلاث سنوات. وتستمر الدورة لمدة شهر، حيث يقوم بتدريسهم التصوير الفوتوغرافي وتصوير الفيديو وكتابة السيناريو.
وفي العام الماضي، تمت دعوته من قبل المنتدى الاقتصادي العالمي لإلقاء كلمة عبر الإنترنت حول القضايا التي يواجهها اللاجئون. وهو يقول إن هذا بالنسبة له كانت «علامة على الاعتراف بالجهد الذي بذلتُه لأنني ما زلت صوتاً للناس في مجتمعي».
ويعتبر ماليش، الذي يعيش في «بيدي بيدي» مع زوجته وأطفاله الأربعة، أن هذه مجرد البداية. وهو يخطط لطرح البرنامج في جميع مخيمات اللاجئين في أوغندا، بمجرد أن يتمكن من الحصول على المال. وفي غضون ذلك، كان يبحث عن طرق جديدة لرواية قصص لاجئي جنوب السودان في أوغندا للعالم.

جون أوكوت

مراسل صحيفة «كريستيان ساينس مونيتور» في أوغندا
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»