شهد العالم على امتداد تاريخه الإنساني، العديد من اتفاقيات «الطمأنينة»، الطامحة للتهدئة ووقف النزاعات، وإشاحة السلاح والمخاطر بعيداً عن الأرواح. لكن يبدو أن تحقيق الأمن له معانٍ أعمق قد أُضيفت إلى قاموس مفرداته، إذ أصبح يرتبط بشكل مكثف بتفاصيل الرصيد البيولوجي، وبخاصة الصحي ومستلزماته، متصدرةً قضايا بناء الدفاع البيولوجي وقائمة مقتضيات الأمن القومي في خطاب الأمن العالمي لمرحلة ما بعد حقبة «كوفيد-19».
وبعيداً عن نظرية المؤامرة، أو محاولة إلصاقها بجائحة «كوفيد-19» الحالية، فإن ما يتعلق باستغلال العصب البيولوجي للمجتمعات، وشن الحروب الجرثومية، يعتبر وسيلةً قديمةً اعتمدها المحاربون القدامى، بإضافة السموم لبرك المياه، وللمأكولات، وغيرها. كما اتخذت العديد من الدول الحديثة إجراءات تحول دون استخدام «السلاح البكتيري»، واستخدام الغازات السامة في حروبها، مثل توقيع اتفاقية جنيف عام 1925 على سبيل المثال لا الحصر. 
وفي حين يضم مفهوم الأمن البيولوجي وجود نهج متكامل قادر على إدارة دفة المخاطر والتحديات التي من شأنها تهديد حياة الإنسان وصحته، فإن الحرب البيولوجية بين الإنسان وفيروس كورونا، وبالرغم من تسخير طاقات بشرية وتقنية هائلة، ما تزال حادة وطاحنة وما يزال الفيروس متفشياً، فيما لا يزال البعض يتهاون في التزامه بالإجراءات الاحترازية أو يتردد في تلقي اللقاح المضاد للفيروس! 
إن الوعي بشكل عام، والوعي المجتمعي خاصةً، يعتبر ركيزة أساسية في بناء منظومة البقاء والاستمرار، ناهيك عن دوره الكبير في تحقيق الإنسانية لانتصاراتِها على ما يعترضها. ولمديري هذه الملفات الساخنة، في كل دولة دور مهم في حسن إدارة الدفة، وتخطي الأزمات أياً كان نوعها، لاسيما أن العالم يقف على عتبة بناء أنظمة دفاع بيولوجية متعددة الأطراف، إضافةً لحزمة من المعايير الوطنية للسياسات والتدابير والالتزامات الوقائية، لا يمكن استثناء أي دولة منها، وبخاصة بعد ما أثبتته الجائحة من اتصال دول العالم وارتباطها ببعضها البعض، وحتمية انطلاق شتى مشاريعها المصيرية من المشتركات الإنسانية. 
إن الحديث عن ولادة استراتيجيات متعلقة بنتاجات وتداعيات لا زالت «غضة»، ليس ببعيد عن أرض الواقع، حتى لو لم يكتمل «المشهد الكوروني» بحذافيره في الوقت الآني، وهذا ما تسعى لإثباته العديد من النماذج الناجحة في الدول الحريصة على التصدي بأكبر فاعلية للجائحة، مثل دولة الإمارات العربية المتحدة التي قامت بإعداد خطة الأمن الصحي الوطني 2019-2023 بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية، والأطراف المعنية داخل الدولة، وقد تلقى ما يقارب نسبة 90% من سكانها اللقاح، لتبدأ مرحلة إعطائه للفئات العمرية بين ثلاثة أعوام وسبة عشر عاماً، إضافةً لإسهاماتها الكبيرة في دعم الجهود الرامية لمكافحة الفيروس الدول الأخرى. 
إن ما يمر به العالَمُ حالياً لا يلقي الضوء على الآلام والأوجاع ومظاهر اليأس، بقدر ما يشير إلى ضرورة التزود بالوسائل والأدوات والإجراءات التي ستخرِج العالم من بوتقة الضيق إلى مساحات شاسعة من الأمن، والدفع برفاهيته غير المسبوقة في رحلة انتصار حديثة، يحدد الإنسان وحده، وبرهاناته المتعلقة بتغيير ذاته للأفضل، مقدار مدتها ودرجة صعوبتها.. فأين ستسوقنا الإرادة الإنسانية بعد هذه التجربة العالمية؟ 

أمين عام المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة