يحتاج مشروع قانون البنية التحتية الذي يناقشه مجلس الشيوخ لأكثر من 2,700 صفحة لعرض أوجه إنفاق تريليون دولار. ومن المتوقع أن تحظى العديد من جوانب الخطة بشعبية. فالأميركيون يفضلون الإنفاق على إصلاح البنية التحتية. ومن الذي لا يريد مطارات وطرق وجسور أفضل ومياه شرب نظيفة والحصول على خدمة الإنترنت فائق السرعة بأسعار رخيصة؟ من الناحية النظرية على الأقل، نحن لا نتمتع ببنية تحتية أفضل فحسب، لكنها أيضاً استثمار في مستقبلنا، مما يجعل البلد أكثر أماناً ومرونة ويعزز النمو.

لكن العديد من الفوائد الاقتصادية المحتملة سيتم تقويضها من خلال ما يقرب من 60 صفحة من مشروع القانون، مخصصة «لبناء أميركا بمكونات أميركية». كانت متطلبات قانون الشراء الأميركي لعام 1933 موجودة منذ «الكساد الكبير»، وغالباً ما تكون ميزة في خطط البنية التحتية الأميركية.

فهي تتطلب أن تستخدم المشاريع التي تمولها الحكومة مواد منتَجة محلياً وأن تنفذها شركات أميركية وعمالة أميركية. هناك بالطبع العديد من الاستثناءات: على سبيل المثال، إذا كانت تكلفة استخدام الحديد الأميركي تزيد بنسبة 25%، يمكن استبداله بالفولاذ الأجنبي. لكن هناك تكاليف لهذا الاستثناء، ويمكن أن تكون عملية بطيئة ومكلفة ونتائجها غير متوقعة. ولطالما كانت سياسة الشراء الأميركي سياسة سيئة، لكن إذا كان الهدف هو تحديث الاقتصاد الأميركي والقوى العاملة فيه، فهذا يعتبر أسوأ الآن.

أولا، حجم هذا القانون هائل، فهو أكبر خطة بنية تحتية منذ أكثر من 70 عاماً. كما أن شروط الشراء الأميركي تجعله أكثر تكلفة وتعقيداً. وتقدر تكلفة كل وظيفة يتم توفيرها من خلال قواعد الشراء الأميركي على دافعي الضرائب ما بين 250 ألف ومليون دولار، وقد تستمر الوظائف التي يتم توفيرها من خلال هذا البرنامج بضع سنوات فقط حتى يتم الانتهاء من البناء.

وغالباً ما يكون العمل والمواد التي تفي بالمتطلبات أقل جودةً، وتاريخياً كانت هناك حالات تلاعب في الأسعار من جانب الموردين الأميركيين. ثانياً، لقد تغير العالم منذ القرن العشرين، وبات الاقتصاد والتصنيع أكثر تقنية وتكاملا على المستوى العالمي. ولطالما جعل قانون الشراء الأميركي البنية التحتية أكثر تكلفة، حتى في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي عند ما كانت لدى الولايات المتحدة قاعدة تصنيع كبيرة، وكان هناك عدد أقل من البدائل الأجنبية. فلنأخذ القطارات على سبيل المثال، حيث ينفق مشروع القانون الحالي 66 مليار دولار على تحديث خدمات السكك الحديدية، سواء للشحن أو لنقل الركاب، بالإضافة إلى 39 مليار دولار أخرى للنقل العام والتي ستشمل تحديث واستبدال عربات مترو الأنفاق.

على مر السنين، تركت الولايات المتحدة عربات السكك الحديدية الخاصة بها في حالة سيئة، بينما أصبحت لاعباً صغيراً هامشياً في سوق تصنيع عربات القطارات، كما يقول ألون ليفي، زميل في معهد مارون بجامعة نيويورك. وقد طورت البلدان، الموجهة بشكل أكبر لاستخدام القطارات، مثل اليابان وأوروبا، تكنولوجيا معيارية أفضل. على سبيل المثال، تسمح قطارات الأنفاق الأوروبية للركاب بالسير بين العربات، بينما بدأ المصنعون الأميركيون في تجربة هذه التكنولوجيا مؤخراً فقط.

ويقدر ليفي أن تكلفة القطارات الأميركية تزيد بنسبة 35 إلى 60% عن المنافسين الأجانب. ويمكننا تبرير تكلفة قانون الشراء الأميركي باعتبارها استثماراً في بناء قاعدة تصنيع تنافسية توفر وظائف جيدة لعقود قادمة. ولكن كانت هناك بنود مختلفة للشراء الأميركي منذ عقود ولم تحقق نجاحاً في هذه المهمة. لقد أصبح التصنيع في أميركا جزءاً صغيراً من الاقتصاد لأن الشراء الأميركي لا يكفي في النهاية لدرء السوق العالمية المتغيرة.

وبغض النظر عن مدى طموح خطط البنية التحتية الخاصة بنا، فسيتعين على التصنيع الأميركي في نهاية المطاف التنافس مع شركات أكثر إنتاجية، مع استخدام مدخلات أرخص وعالية الجودة (وغالباً ما تكون مصنوعة في الخارج). قد يهدف الدعم والقيود إلى حماية العمال الأميركيين من المنافسة، لكنه أيضاً يلغي حوافز الابتكار وتبنّي أفضل التقنيات وتوظيف أفضل العمال، حتى لو كانوا أجانب. تبدو الرغبة في بناء التصنيع الأميركي أكثر إلحاحاً بعد الوباء الذي عطّل التجارة وسلّط الضوء على اعتمادنا على الصين في العديد من القطاعات الأكثر حيوية في سلسلة التوريد الخاصة بنا.

ويؤكد مشروع القانون أن إعادة المزيد من التصنيع إلى السوق المحلية ستجعل الاقتصاد أكثر مرونة. فالاعتماد على دولة واحدة لصنع الأشياء التي تحتاج إليها هو أمر محفوف بالمخاطر. لكن هذا يشمل أيضاً الاعتماد المفرط على بلدك، حيث يمكن أن تحدث عمليات الإغلاق هنا أيضاً.

ولا يعني كون سلاسل التوريد عالمية أنها مقصورة على بلد واحد، بل ستكون لدينا شبكة متنوعة من الموردين في جميع أنحاء العالم. فالمرونة تأتي من تنويع الموردين وليس التركيز على مورِّد واحد. إن الهدف من مشروع قانون البنية التحتية هذا هو دخول الاقتصاد الأميركي بالكامل في القرن الـ21 بنفس النوع من البنية التحتية البراقة التي نراها في الخارج.

ولسوء الحظ، ستعود قيود الشراء الأميركي باقتصاد الولايات المتحدة إلى القرن العشرين.

*زميلة بارزة في معهد مانهاتن 

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»