كأن لبنان لا تكفيه مشاكله الداخلية والخارجية، ليقع في فخ «حزب الله» الذي سيستورد الوقود من إيران! وحسب تصريحات الأمين العام للحزب، حسن نصرالله، سيعتبر لبنان السفنَ المحملة بالوقود أرضاً لبنانية، مهدِّداً بالرد على من يستهدف تلك السفن!

وحقيقة الأمر أن الفخ يكمن في تفاصيل عدة؛ أولها تعريض لبنان لعقوبات أميركية بسبب الحظر والعقوبات المفروضة على إيران، والتي ستطال لبنان أيضاً رغم حاجته الماسة للمساعدات الدولية، حيث سبق وحصل على 200 مليون دولار مناصفةً من الولايات المتحدة وفرنسا و170 مليون دولار من باقي دول مؤتمر المانحين.

ولا يتوقف الأمر على تعريض لبنان للعقوبات، بل يشمل أيضاً التهديد بفتح جبهات جديدة يتم توريط لبنان فيها كنتيجة لعنجهية «حزب الله». ولا شك في أن هذا الحزب يعمل جاهداً لأن يعزز التواجد الإيراني في لبنان، وربما ربطه بطهران وعزله عن محيطه العربي وعن داعميه الغربيين.

أزمة لبنان النفطية على أشدها ولم تنته بمجزرة عكار، حيث تسبب انفجار صهريج الوقود بمقتل ما يزيد عن 100 شخص ومئات الجرحى. وهنا نذكر موقف الإمارات المشرف حين بادرت بنقل عدد من المصابين على طائرة إخلاء طبية إلى أبوظبي، بهدف علاجهم والعناية بهم في أفضل المستشفيات. إن لبنان يعيش أزمةَ وقود قد تضع كامل البلاد في ظلام دامس، حيث إن بعض المستشفيات لم تعد قادرة على توفير خدمة الإسعاف، فيما الكهرباء مقطوعة عنها أيضاً، والقطاع الطبي كله مهدد بتوقف مؤسساته، كل ذلك ناهيك عن أزمة الغذاء والمواد الأولية وانهيار العملة وعدم قدرة العائلات اللبنانية على توفير قُوتِها اليومي.  

       والغريب فيما يحدث بلبنان من أزمات اقتصادية وخدماتية أن الأزمة السياسية على أشدها، وحتى الآن لم تنجح الجهود في تشكيل حكومة كي تحاول إنقاذ البلد وانتشاله من الكارثة، فالسجال السياسي مستمر، وحالة الشلل الحكومي ستؤثر بشكل مباشر على وضع المواطن اللبناني. فهناك أطراف سياسية من مصلحتها تشكيل حكومة تابعة لها أو الوقوع في الفراغ والشلل. وهنا نعود بالإشارة إلى «حزب الله» الذي لم يكتف بتوريط لبنان في أزمات خارجية، بل كان له داخلياً النصيب الأكبر في تعزيز الفشل السياسي، وهذا هو الفخ الداخلي، حيث إن ربط الحزب مصير لبنان بحلفاء طهران وأذرعها بغية إضعاف التيارات المعارضة للوجود الإيراني. هذا ما يسعى إليه الحزب، عبر تعزيز فشل باقي التيارات وإظهار نفسه بالمظهر القوي القادر على انتشال لبنان من أزمته، أو على أقل تقدير تهدئة الشارع من خلال شحنات وقود يقوم بتوزيعها على مؤيديه أولا ثم حلفائه.

البعض أكثر تشاؤماً ويعتقد بأن «حزب الله» من مصلحته جر البلاد إلى حرب أهلية، تعيد توزيع قواعد اللعبة في لبنان، وربما تغيير شروط توزيع السلطة أو القضاء على اتفاق الطائف برمته وفرض الأمر الواقع، فـ«حزب الله» يَعتقد أنه المؤهل للاستيلاء على السلطة بالكامل؛ فهو يمتلك القوة والتنظيم لإزاحة باقي الأطراف، وفي يده السلاح الذي يهدد به السلم الأهلي.

ولعل ما حدث في بعض القرى اللبنانية الجنوبية دليل على احتقان في الشارع اللبناني الذي يعاني من الفقر والتهميش وفقدان الخدمات، والذي لم تعد تعنيه تلك الشعارات الرنانة، حيث قامت بعض القرى الجنوبية بإيقاف قافلة عسكرية محملة بصواريخ استهدفت شمال إسرائيل، وقام أهالي القرية بضرب واحتجاز عناصر الحزب ثم طردهم من القرية ليؤكدوا أن لعبة الحزب مكشوفة، من خلال القيام بعمليات عسكرية من قراهم كي يتم الرد وقصف تلك القرى. وهذا مثال صغير على حالة الاحتقان ورفض ممارسات الحزب، وقد نشاهد سيناريوهات مشابهة مستقبلاً وردوداً من الحزب وربما إشعال حرب أهلية تعيد ترتيب الأوراق.

*كاتب إماراتي