يثير عجز «حركة النهضة» في تونس عن استيعاب دروس إخفاق مُنيت به تنظيمات «الإخوان» في مصر وبلدان عدة السؤالَ مجدداً عن طبيعة الذهنية الإخوانية، أو طريقة التفكير السائدة في هذه التنظيمات.
توجد اجتهادات عدة في تحليل هذه الذهنية، وتفسير العوامل التي أدت إلى إظلامها على نحو يُفقدها القدرة على أن تتبصر الأمور وتَعقلها. لكن يبدو أن الاجتهاد الأكثر قدرة على تفسير هذا الإظلام يربط ذهنية «الإخوان» بالبنية التنظيمية الحديدية التي لم تختلف على مدى تاريخهم، سواء أكانت هذه البنية في جماعة أو حركة أو حزب.
تضع هذه الذهنية التنظيم فوق كل شيء، وتجعل علاقته مع أقرانه (إخوانه) في بلدان أخرى أعلى من الارتباط بالوطن والدولة والمجتمع الذي يوجد فيه. ويمكن تبين أربع سمات رئيسة تتسم بها البنية التي شكَّلت الذهنية الإخوانية وطبعتها بطابعها المُظلم، وهي:
• غياب قواعد عامة واضحة ومحددة في إدارة التنظيم، وتحديد مواقفه واتجاهاته، ورسم سياساته، إذ تختلف هذه القواعد حسب الظروف والأهواء.
• الجمود والاستعصاء على التطور ومقاومة التجديد، بما يعنيه ذلك من عجز عن مواكبة التطورات التي تحدث سواء في البلد الذي يوجد به التنظيم، أو خارجه. فالتنظيم الإخواني يعيش، من الناحية الذهنية، في عصر مضى.
• الاستعلاء، ومن ثم عدم الاعتراف بالأخطاء حتى إذا بلغت مستوى الخطايا. وكان هذا الاستعلاء عقيدياً في البداية عند تأسيس جماعة «الإخوان» في مصر عام 1928، إذ ارتبط بوهم أن لدى «الإخوان» ما يُعد الأفضل على صعيد الأفكار والمبادئ لأنه مُستمد من الإسلام الذي أساؤوا فهمه، وأساؤوا إليه في آن معاً. وتحوَّل هذا الاستعلاء تدريجياً إلى سلوك عام في تعامل التنظيم الإخواني، أياً كان، مع غيره. لكن طريقة التعامل تختلف في مراحل الاستقواء عنها في فترات الاستضعاف.
• الانغلاق الذي يصل إلى حد تحول أعضاء التنظيم الإخواني، تونسياً كان أم مصرياً أم أردنياً أم غيره، إلى مجتمع قائم بذاته ومنفصل في الأغلب الأعم عن مجتمع الدولة التي يوجد بها. وفي ظل هذا الانغلاق يصبح تفاعل أعضاء التنظيم مع بعضهم البعض أوسع بكثير منه مع الآخرين. 
وفي هذا المجتمع التنظيمي المُغلق تراتبية موحدة في كل تنظيمات «الإخوان»، سواء داخل كل محافظة أو مقاطعة، أو على المستوى المركزي. وتوجد آليات للتواصل في ظل هذا التراتب من أصغر وحدة إلى أعلى مستوى تنظيمي. ولا تخفى دلالة تسمية الوحدة التنظيمية الأصغر بالأسرة، سعياً إلى فصل العضو الجديد عن أسرته الطبيعية، بحيث يصبح انتماؤه للأسرة التنظيمية هو الأساس، ويصير «الأخ» في التنظيم مُفضلاً لديه على شقيقه.
وقد ثبت أن هذه البنية التنظيمية، والذهنية المرتبطة بها، تحد من قدرة أعضاء تنظيمات «الإخوان» على التفاعل الطبيعي مع الآخرين في المجتمع العام، لأنهم يُعدون غرباء، الأمر الذي يخلق حالة من التشوه الذهني والاختلال الحركي. وتتفاقم هذه الحالة عندما يشعر التنظيم بأنه صار قوةً مؤثرةً، فيبدو في هذه الحالة مثل سيارة معطوبة يقودها سائق محدود العقل والقدرات.. سيارة تختل حركتها، ولا يستطيع سائقها تقدير خطورة الموقف، فيأخذها باتجاه صدام من النوع الذي ذهبت إليه «حركة النهضة» في تونس، وقبلها جماعة «الإخوان» في مصر. وعندئذ لا يُفيد التراجع التكتيكي بعد فوات الأوان، على النحو الذي بدا في الاجتماع الأخير لما يُسمى «مجلس شورى» تلك الحركة. فلا يمكن اللحاق بطائرة بعد إقلاعها، أو بقطار عقب تحركه. لكن من يعيشون في عصر ما قبل القطار والطائرة لا يُدركون. 

مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية