هذا يوم فظيع بالنسبة لأي شخص في أفغانستان سيعاني على أيدي نظام حكم ديني تديره طالبان. وهو يوم سيئ بالنسبة للمحاربين القدامى، وعملاء الاستخبارات، وموظفي وزارة الخارجية في الولايات المتحدة، الذين عملوا في أفغانستان ويشاهدون كل جهودهم الرامية إلى بناء الدولة تذهب سدى. وهو يوم مزعج أيضاً بالنسبة لزعماء السياسة الخارجية في أربع إدارات أميركية متعاقبة بدأوا هذا الإخفاق وأداروه. ولكن علينا أن نكون صرحاء: فكل الأميركيين متضررون مما حدث في أفغانستان.
بإمكاني أن أساهم في سيل التقييمات المخالفة للحقائق بشأن ما إن كانت سياسة مختلفة ستفضي إلى مسار أحسن، غير أن خبرتي هي في مجال العلاقات الدولية، وليس في السياسة المقارنة لأفغانستان. وبالتالي، لنبقَ داخل مسارنا ولنتأمل النقاش الصاعد حول التداعيات الأكبر للسياسة الخارجية الأميركية. 
فبينما يبدأ النقاش حول ما حدث في أفغانستان، ستكثر المقارنات مع سنوات ما بعد حرب فيتنام على نحو لا مفر منه. والحق أن المقارنة سهلة. 
فعلى غرار ما حدث في فيتنام، فإن تصميم الحكومة الأميركية على البقاء في أفغانستان تبخر بعد عقود من الحرب. فهذا الرئيس جو بايدن يقول: «عام إضافي أو خمسة أعوام إضافية من الوجود العسكري الأميركي ما كانت لتُحدث فرقاً إذا كان الجيش الأفغاني لا يستطيع أو لا يريد السيطرة على بلده. ثم إن وجوداً أميركاً إلى ما لا نهاية في وسط حرب أهلية لبلد آخر هو أمر غير مقبول بالنسبة لي». 
«جيديون راكمان»، من صحيفة «فايننشيال تايمز»، كان شديداً في تقييمه لقرارات بايدن؛ إذ كتب يقول: «إن مصداقية بايدن دُمرت الآن بخصوص أفغانستان». ولكن «راكمان» يذهب إلى أبعد من ذلك: 
«إن الإخفاق الأميركي يجعل من الصعب على بايدن الدفع برسالته الأساسية التي مفادها أن «أميركا عادت». وبالمقابل، فإنه يتناغم تماماً مع رسالتين رئيسيتين تدفع بهما الحكومتان الصينية (والروسية). الأولى هي أن القوة الأميركية في حالة تقهقر. والثانية هي أن الضمانات الأمنية الأميركية لا يمكن التعويل عليها. 
وإذا كانت الولايات المتحدة غير مستعدة للالتزام بالقتال ضد «طالبان»، فإنه ستكون هناك علامة استفهام حول ما إن كانت أميركا ستكون مستعدة حقاً للذهاب إلى حرب مع الصين أو روسيا. والحال أن شبكة تحالفات أميركا العالمية مبنية على فكرة أن الجنود الأميركيين سيُرسلون بالفعل، كخيار أخير، للدفاع عن حلفائهم في آسيا وأوروبا وغيرهما». 
زميلتي في صحيفة «واشنطن بوست» ليز سلاي كتبت شيئاً مماثلاً حول قلق الحلفاء بشأن العزم الأميركي: «لقد أثار تقدم طالبان السريع عبر أفغانستان قلقاً عالمياً، وأعاد إحياء تخوفات بشأن مصداقية وعود السياسة الخارجية الأميركية، وجلب انتقادات شديدة حتى من بعض من أقرب حلفاء الولايات المتحدة». وأضافت: «إن الكثيرين حول العالم يتساءلون ما إن كانوا يستطيعون الاعتماد على الولايات المتحدة في الوفاء بالتزامات أمنية طويلة تمتد من أوروبا إلى شرق آسيا». 
بيد أن هذه التقييمات خاطئة في الواقع. ذلك أن سمعة العزم والتصميم ليست قابلة للنقل مثلما يعتقد المعلّقون السياسيون. والرغبة الأميركية في الانسحاب من أفغانستان لا تتَرجم إلى رغبة مماثلة بخصوص أوروبا أو أميركا اللاتينية أو بلدان المحيط الهادئ، وجميعها تحتوي على مصالح أميركية أكثر حيوية. والحق أن مدير منظمة «تشاتام هاوس» روبن نيبلت كان على صواب حينما غرد على تويتر قائلاً: «إن الانسحاب من أفغانستان لا يعني الانسحاب من الالتزامات الجوهرية لتحالف الولايات المتحدة في أوروبا وآسيا، بل إنه عملية إعادة تركيز قاسية لصالحهم». 
هذا لا يعني أن سمعة الولايات المتحدة بخصوص الالتزامات ذات المصداقية هي بخير تماماً – كلا، إنها أبعد ما تكون عن ذلك. غير أن ذلك لا علاقة له مع الأحداث الأخيرة في أفغانستان، التي تلقب بمقبرة الإمبراطوريات، وله علاقة قوية بتقلب الاستراتيجية الأميركية الكبرى على مدى العقد الماضي. 
والواقع أن بايدن لم يكن مخطئاً عندما قال: «لقد ورثتُ صفقة عَقَدها سلفي... صفقة تركت «طالبان» في أقوى وضع عسكرياً منذ 2001 وفرضت مهلة تنتهي في 1 مايو 2021 للقوات الأميركية. وقبل أن يغادر الرئاسة بوقت قصير، قام أيضاً بخفض عديد القوات الأميركية إلى 2500 جندي كحد أدنى...». وعليه، فقد تسلم بايدن أوراقاً سيئة. غير أنه كان بإمكانه أن يعيد خلط الأوراق ويحاول تنفيذ انسحاب أكثر سلاسة للقوات الأميركية. ولكن إدارته اختارت ألا تفعل ذلك، وهي الآن تحصد العاصفة.
اختر الزاوية التي تريد – تقوية الحكومة الأفغانية، تسليح «طالبان» عن غير قصد، تولي أمر المترجمين الأفغان، التقييمات الاستخباراتية للوضع، مشاورات الحلفاء حول الانسحاب – وستجد أن إدارة بايدن أساءت التعامل مع الوضع. صحيح أن الإدارة الحالية ليست مسؤولة عن الأسباب الكامنة لاستيلاء «طالبان» على السلطة، ولكنها مسؤولة عن كل الأسباب المباشرة تقريباً. 
إن الكفاءة السياسية، التي تُعد مكوناً أساسياً من القوة الناعمة، تمثّل قوة مضاعفة، وتعني أن لاعبين آخرين على الساحة الدولية يؤمنون بقدرتك على فعل ما تقول إنك قادر على فعله. أما انعدام الكفاءة السياسية، فله تأثير معاكس. فأحد أسباب أزمة منطقة اليورو كان تقليل صناع السياسات الأوروبيين مراراً وتكراراً من شأن تحذيرات المسؤولين الأميركيين، إذ رفضوا العمل بنصيحة من كانوا في قلب أزمة الرهون العقارية عالية المخاطر. 
وخلاصة القول إن الحلفاء التي تربطهم علاقة تحالف طويلة، لن يشتكوا بشأن العزم والتصميم الأميركيين في وجه أفغانستان، ولكنهم سيشعرون بالقلق بشأن ما إن كانت إدارة بايدن ستفسد مبادرات سياسية أخرى، على غرار ما فعلت في كابول. 

أستاذ السياسة الدولية بكلية فليتشر للقانون والدبلوماسية في جامعة تافتس
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»