ما انفكت الهند والولايات المتحدة تتقاربان. ومن الواضح أن هذه العلاقة تحظى بمكانة خاصة مثلما تُظهر ذلك الزيارة التي قام بها إلى الهند مؤخراً وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، كما أن هناك تطابقاً في وجهات النظر بين البلدين حول عدد متزايد من القضايا إلى جانب أهداف مشتركة في منطقة الهند المحيط الهادئ. بلينكن، الذي قام بأول زيارة له إلى الهند كوزير للخارجية، صرّح بأن العلاقات بين الهند والولايات المتحدة مهمة جداً من أجل جلب الازدهار والرخاء إلى المنطقة، وبأن الهند تمثّل أولوية أولى ضمن أجندة السياسة الخارجية الأميركية.

وهو موقف سبق أن عُبّر عنه من قبل، ولكنه اكتسى معنى أكبر مؤخراً. ذلك أن البلدين، العضوين في تجمع «منتدى الأمن الرباعي» غير الرسمي، انتقلا للعمل معاً بشكل أكبر في منطقة الهند والمحيط الهادي، حيث تسعى الولايات المتحدة لإنشاء ائتلاف من الدول الصديقة وسط توترات بين واشنطن وبكين. وفي هذا السياق، أجرى بلينكن محادثات مع وزير الخارجية الهندي حول تقوية إنتاج لقاحات كوفيد 19، وتعزيز «منتدى الأمن الرباعي»، وزيادة التجارة البينية، وتدهور الوضع الأمني في أفغانستان.

موضوع الوباء كان على رأس أجندة المباحثات خلال زيارة بلينكن، حيث تعهدت الولايات المتحدة للهند بـ25 مليون دولار، تضاف إلى التعهد السابق بـ250 مليون دولار، وذلك من أجل تعزيز الجوانب اللوجستية المتعلقة بسلسلة توريد اللقاحات، ومعالجة مشكلة مقاومة تلقي اللقاح، والمساعدة في تدريب عمال الرعاية الصحية في الهند. كما تباحث الجانبان «مبادرة اللقاحات» في إطار «منتدى الأمن الرباعي»، أو «الرباعي» اختصاراً، من أجل توزيع مليار جرعة من لقاح فيروس كورونا بنهاية 2022 مع التركيز على جنوب شرق آسيا. وتشمل بلدان «الرباعي» الولايات المتحدة، واليابان، والهند، وأستراليا.

ويذكر هنا أن الولايات المتحدة، التي كانت حظرت تصدير المواد الخام اللازمة لصناعة اللقاحات، استثنت الهند من هذا الحظر، وحرصت على أن تكون المواد الخامة الضرورية لصناعة اللقاحات متاحة لها. وحدث ذلك بعد أن تباطأ إنتاج اللقاحات في الهند بسبب عدم توافر المواد الخام الضرورية لصناعة اللقاح. وكانت الهند قد شهدت موجة ثانية مدمرة من الوباء أرغمت البلاد على التركيز على احتياجاتها الداخلية الخاصة ووقف صادرات اللقاحات في محاولة لتعزيز برنامج التلقيح الداخلي.

ومن الأسباب الرئيسية التي جعلت الهند قادرة على زيادة عمليات التلقيح تزويدها من قبل الولايات المتحدة بالمواد الخام للقاحات، وهو ما شكر الوزير الهندي إدارة بايدن عليه. وتعتمد مبادرة اللقاحات التابعة لـ«الرباعي» على براعة الهند التصنيعية، ولكن البلد لم يعلن بعد عن تاريخ لاستئناف الصادرات في وقت يسعى فيه جاهداً لتلبية طلبه الداخلي. غير أن مبادرة اللقاحات ستكون واحدة من النتائج الملموسة لعمل «الرباعي» وستحدد ملامح الشكل الذي سيتخذه هذا التجمع مستقبلاً.

وذهب بلينكن إلى حد القول إن الهند والولايات المتحدة يستطيعان معاً هزم الوباء. كما عبّر الجانبان عن تصميمهما على توفير اللقاحات للمنطقة، وإنهاء الوباء الذي قلب البنية التحتية الصحية والاقتصادات عبر العالم رأسا على عقب. الهند والولايات المتحدة ازدادتا تقارباً، إذ اتفق البلدان على العمل معاً في منطقة آسيا المحيط الهادئ. وعقب اجتماعات مع رئيس الوزراء ناريندرا مودي، ومستشار الأمن القومي الهندي إضافة إلى زعماء المجتمع المدني، أشار بلينكن إلى أن الالتزام المشترك بالقيم الديمقراطية هو الأساس الذي ترتكز عليه العلاقة الثنائية. وكانت الولايات المتحدة قد حثت الهند الشهر الماضي على «احترام الدور الحيوي لنشطاء حقوق الإنسان في الديمقراطيات السليمة» عقب مقتل ناشط هندي مدافع عن حقوق القبائل يبلغ 84 عاماً وقس مسيحي يدعى ستان سوامي أصيب بفيروس كوفيد في السجن. وأشار بلينكن إلى أن الديمقراطيات عملٌ متواصلٌ، مشدداً على «أننا في حاجة لتقوية مؤسساتنا الديمقراطية، لأن ذلك يوجد في صميم علاقتنا، إضافة إلى العلاقات الاستراتيجية والاقتصادية». *مدير مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي