قبل عام، انفجر 2750 طناً من نترات الأمونيوم مخزنة بشكل سيئ في ميناء بيروت، ودمر الانفجار مناطق كبيرة من العاصمة وترك المدينة في هلع، وأودى بحياة أكثر من 200 شخص، وأدى إلى تشريد 300 ألف من السكان. وفي الرابع من الشهر الجاري، أحيا لبنان الذكرى الحزينة بإعلان الحداد وبالاحتجاجات المطالبة بالعدل. 

لكن حين بدأ لبنان يخرج العام الماضي من أحلك لحظاته، تدفق متطوعون من أرجاء البلاد ليقدموا المساعدة. فقد استجاب المجتمع المدني، كرد فعل لا إرادي فيما يبدو، بالنزول إلى العمل وممارسة مهاراته التي نضجت عبر 15 عاماً من الحرب الأهلية والصراعات العسكرية المختلفة والاقتصاد المتداعي وتدفق 1.5 مليون لاجئ سوري وجائحة صحية، أي كل الأزمات التي ظهرت أو تفاقمت بسبب الخلل الوظيفي السياسي المزمن. وكان تدفق الدعم الشعبي غير مسبوق كما هو حال الدمار. فعلى سبيل المثال، انهار موقع جمعية «متعة العطاء» الخيرية التي ساعدت اللبنانيين على إعادة الإعمار بعد الحرب والعنف حين كانت الحكومة غائبة، تحت وقع دفق هائل زاد على ستة آلاف متطوع هرعوا إلى الموقع يسجلون أنفسهم للمشاركة. 
ونتيجة هذا، ظهور حركة نشطة وكفؤة للمجتمع المدني أمسكت بزمام إعادة البناء، وأقنعت المانحين بتخطي مؤسسات الحكومة الفاسدة. وهناك آليه فريدة من نوعها يطلق عليها «إطار عمل الإصلاح والتعافي وإعادة الإعمار-لبنان» وتديرها الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والبنك الدولي معاً. وطالبت هذه الآلية بالمحاسبة والإصلاح على أعلى مستوى، ونشرت نشطاء يتولون أمر التعافي بدلاً من مسؤولي الحكومة. وأحيت مظاهر الصمود آمال حدوث تغيير ما كانت لتداعب خيال أحد إلا قبل الانفجار. 
وقبل الانفجار، كان لبنان يترنح بالفعل نتيجة أكثر من عام من الاحتجاجات في الشوارع فيما أطلق عليه «ثورة أكتوبر»، التي بدأت في نهاية 2019 لإنهاء الفساد والإطاحة بالطبقات الحاكمة وشبكاتها الطائفية التي ترسخت عبر عقود. وكان الانفجار الكارثي دليلاً دامغاً على المخالفات المشينة. فقد جاء في تقرير صدر في الأيام القليلة الماضية عن منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن عدة سلطات لبنانية كانت على الأقل «مهملة بما يرقى إلى الجناية» في سوء معاملتها المواد الكيماوية الخطرة لمدة ست سنوات، و«قبلت ضمناً احتمال حدوث وفيات». والآن، أصبح نصف سكان لبنان تحت خط الفقر في غمرة أزمة مالية وتضخم هائل. وانقطاع الكهرباء المتكرر يفاقم الشعور بنقص الغذاء والوقود الذي يتسبب في مشاجرات في المتاجر وفي طوابير طويلة في محطات التزود بالوقود. وتوصل مركز «دعم لبنان» البحثي إلى أن المجتمع المدني اضطلع بنسبة 62% من إغاثة ما بعد الانفجار والجهود الفردية قدمت 20% أخرى من هذه الإغاثة. ولم تشارك الحكومة إلا بنسبة 0.9% في أعقاب الانفجار. 
استقالت الحكومة بعد الانفجار ولم يتفق الفرقاء السياسيون على حكومة بعد. وأعد الاتحاد الأوروبي عقوبات تستهدف مسؤولين لبنانيين. وصرح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يوم الرابع من أغسطس، أثناء افتتاحه مؤتمراً للمانحين يستهدف جمع 350 مليون دولار، أن اعتماد زعماء لبنان على استراتيجية عدم التحرك تلك تمثل فشلاً أخلاقياً وتاريخياً. وتخطت فرنسا بالفعل الحكومة اللبنانية وقدمت 100 مليون دولار مباشرةً إلى الشعب اللبناني عام 2020، غالبا عبر مبادرات المجتمع المدني التي أثبتت شفافية وفعالية. 

وترى كارمن جحا، الأستاذ المساعد في الجامعة الأميركية في بيروت والناشطة التي شاركت في تأسيس مبادرة «خضة بيروت»، أن ما انفجر فعلياً هو سوء الإدارة. وترى جحا أن لبنان به الكثير من المواهب والخبرة والمثابرة التي تريد القيام بشيء مختلف وأن هناك عملية تعبئة تحدث. ومبادرة «خضة بيروت» تضم أصحاب أعمال وأكاديميين وخبراء يطالبون بالإصلاح. والاختبار المحوري سيكون في الانتخابات البرلمانية عام 2022. وتشير جحا إلى أنها تعتزم وضع ما تقوم به هذه الجمعيات الأهلية في أي قائمة أولويات لمرشح ما لأن البلاد في حاجة إلى دعم هذا النموذج. 
وتستهدف مبادرة «إطار عمل الإصلاح والتعافي وإعادة الإعمار-لبنان» الاستفادة من المساعدة الفنية وتسخير المعرفة المتوافرة لدى أكثر من 100 جمعية أهلية. ويرى ياب فان ديخيلا، مسؤول التنسيق في المبادرة في بيروت والدبلوماسي الهولندي السابق أن «هذه هي الرابطة مفقودة بين الشارع وما يحدث في الحكومة». ويرى أنه يجب على الحكومة الاستفادة من الخبرة المتراكمة لدى الجمعيات الأهلية ومناقشتها وتنسيق تنفيذ العمل معها. 

سكوت بيترسون

كاتب أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»