تنظر دولة الإمارات العربية المتحدة إلى مخرجات قطاع التعليم، بكافة أنواعه، بعين الأهمية لسببين جوهريين. الأول، هو الأهمية الاستراتيجية للدور الذي يقوم به المواطن الخريج من مؤسسات التعليم بشكل عام ومؤسسات التعليم العالي بشكل خاص، من دور رئيسي في استراتيجيات وبرامج التوطين التي تضعها الدولة. وفي هذا الإطار تعمل وزارة التربية والتعليم على استقطاب وتأهيل الطلبة للالتحاق بمؤسسات التعليم العالي داخل الدولة وخارجها بما يتناسب مع احتياجات سوق العمل. أما السبب الثاني، فهو تركيز الحكومة منذ إنشاء الدولة عام 1971 على توفير التعليم لكافة المواطنين لضمان توفير تعليم متكافئ للجميع، بما في ذلك التعليم ما قبل المدرسة. والملاحظ أن وزارة التربية والتعليم تعمل على تطوير ووضع وتنفيذ أهدافها الاستراتيجية لتشمل كافة مراحل ومؤسسات التعليم في الدولة، بما في ذلك التعليم العالي والتعليم المهني، وخاصة بعد تنامي دور وأهمية الأخير في سوق العمل، نظراً لما تتمتع به مخرجاته من مهارات وقدرات عملية متميزة وتلبي احتياجات مختلف قطاعات العمل في الدولة. ولذلك يحتل التعليم العالي والتعليم المهني أهمية خاصة في عملية التخطيط الاستراتيجي الحكومي والتي تُركز على الاستفادة من القوى البشرية الوطنية في خطط وبرامج التنمية والتطوير الشاملة. وقد ساهم ذلك في انتشار الوعي بين شرائح المواطنين في سن مبكرة حول أهمية الانخراط في التعليم المهني للحصول على وظيفة بعد التخرج في وقت سريع وبمزايا مقبولة في ظل المرونة العالية والتغيرات المستمرة التي يتمتع بها سوق العمل في الدولة.
ولكن في ظل تزايد الطلب على أصحاب المهارات العملية التي تتطلبها المهن الناتجة عن الاحتياجات المتجددة لسوق العمل وخاصة في أعقاب جائحة كورونا «كوفيد- 19»، يبرز التساؤل حول ماهية أفضل الطرق لإيجاد التوازن المعقول بين مخرجات التعليم العالي ونظيرتها من التعليم المهني بهدف تلبية الاحتياجات المتجددة لسوق العمل. وبمعنى آخر، كيف نضمن أن خريج مؤسسات التعليم العالي يستطيع الحصول على الوظيفة نفسها التي سوف يشغلها خريج التعليم المهني، وهنا يتسلح ذلك الخريج بالشهادة الأكاديمية بجانب مستوى عال من امتلاك المهارات العملية، التي قد لا تندرج في مناهج التعليم العالي. والإجابة هنا تبدو سهلة ومعقدة في الوقت نفسه.
فمن السهولة بمكان أن ندعو إلى زيادة جرعات صقل طلبة التعليم العالي بالمهارات العملية التي يحتاجها سوق العمل في الدولة، ولكن التعقيد يكمن في صعوبة تحقيق ذلك المقترح بسبب طبيعة مناهج التعليم العالي من ناحية الساعات الأكاديمية أو عمق الجوانب النظرية أو متطلبات الاعتماد الدولي وغيرها. ولذلك فإن الطريقة المثلى، برأيي، هي دراسة أفضل الطرق لصقل مهارات طلبة التعليم العالي وتزويدهم بقدرات مماثلة لطلبة التعليم المهني. وهنا نستحضر أحد متطلبات إنهاء الدراسة الجامعية في غالبية الكليات، وهو ضرورة انخراط الطالب فيما يسمى بالتدريب العملي (أو الميداني) خلال فصل أو فصلين دراسيين وذلك بالالتحاق بإحدى جهات القطاعات الحكومية أو شبه الحكومية أو الخاصة. 
والمقترح أن يتم دراسة تخصيص تلك الفترة العملية في إحدى مؤسسات التعليم المهني، والتي تضم بيئة تدريب عملي حقيقية يستطيع من خلالها طالب التعليم العالي اكتساب أكبر قدر ممكن من المهارات العملية مماثلة لما يكتسبه طالب التعليم المهني، على أن يتم احتساب تلك الفترة ضمن السجل الدراسي لطالب التعليم العالي. وهنا يتم المزج، ولو بعدد محدود من الساعات الأكاديمية، بين النظري والعملي وهي العقدة الشائكة المستمرة لغالبية خريجي التعليم العالي عندما يدخلون سوق العمل.

د.عبدالله محمد الشيبة
باحث إماراتي