إنها فكرة مثالية وبسيطة، إذا أعطينا كل فرد راتباً شهرياً، سنتمكن من القضاء على الفقر والتخلص من أوجه القصور في «دولة الرفاهية» الأميركية المليئة بالعيوب. تعد مينيابوليس أحدث مدينة تخوض تجربة «الدخل الأساسي الشامل». فهي ستقدم 500 دولار شهرياً لمدة 18 شهراً لـ150 من سكانها ذوي الدخل المنخفض، من دون قيود على العمل أو الإنفاق.
لكن البعض قلقون من أن الأمر ليس بهذه البساطة. قد يكون الدخل الأساسي الشامل مكلفاً للميزانية العامة، وقد يثني الناس عن العمل، مما سيؤدي عن غير قصد إلى زيادة عدم المساواة وإلى عدم الاستقرار الاجتماعي. وتشير دراسة جديدة إلى أن المتشككين قد يكونون على حق: فقد يتسبب الدخل الأساسي الشامل في ضرر أكبر مما ينفع مقابل تكلفة عالية جداً.
إن اختبار الدخل الأساسي الشامل ليس بالأمر السهل. وما يجعل هذا الدخل عاماً وأساسياً هو أن يحصل كل شخص على المال، وأن يكون تدفق النقد طويل الأمد ومن الممكن التنبؤ به. ويشير مؤيدو الدخل الأساسي الشامل إلى بعض التجارب التي تُظهر أن منح الأشخاص مبالغ نقدية لا يتسبب في تقليل عملهم.لكن تجربة مينيابوليس ودراسات أخرى، لا تتعلق حقاً بالدخل الأساسي الشامل لأنها جميعاً تتناول فترة قصيرة المدى، حيث تستمر المدفوعات لسنة أو سنتين فقط. وعدم الثبات هذا يغير بشكل أساسي كيفية استجابة الناس. فمعظم القرارات المالية والقرارات المتعلقة بالعمل تستند إلى التوقعات الخاصة بالدخل مدى الحياة، وليس على أساس أشهر قليلة من النقد الإضافي.
وكيفية تنظيم المدفوعات هي أيضاً أمر مهم. وتبحث دراسة أخرى الدخلَ المدفوع كل عام من صندوق ألاسكا الدائم. ويرى الاقتصاديون أن هذه المدفوعات لم تجعل سكان ألاسكا يقللون من العمل، وقد تشجع المستفيدين على القيام بمزيد من العمل بدوام جزئي. لكن الصندوق الدائم ليس كذلك دخلاً أساسياً شاملاً وحقيقياً، لأن المدفوعات تستند إلى عائدات النفط، وبالتالي تختلف بشكل كبير من عام إلى آخر. لذا فإن مدفوعات الأموال الدائمة تزيد في الواقع من مخاطر الدخل في ألاسكا، وهو عكس ما يفترض أن يفعله الدخل الأساسي الشامل.
قد يقول المدافعون إن هذه الدراسات قريبة بما يكفي. لكن القرب لا يكفي في هذه الحالة. والادعاء بأن هذه النماذج تمثل الدخل الأساسي الشامل يشبه القول بأن سند الكونسول ذي السعر الثابت هو قيمة تقديرية قريبة لسند مدته سنتان أو سهم يدفع توزيعات الأرباح. نحن نعلم من التمويل أن هذه الأنواع من الأصول لها قيم مختلفة تماماً وبالتالي يمكنها استنباط سلوك مختلف تماماً من جانب المستثمرين فيما يتعلق بالمخاطرة وتأثيرات الثروة.
وتتبع دراسة جديدة من المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية نهجاً مختلفاً لتقييم الدخل الأساسي الشامل، حيث استعرض الاقتصاديون الفائزين باليانصيب على مدى خمس سنوات. ويعتبر الفائزون باليانصيب اختباراً جيداً للدخل الأساسي الشامل، لأن أرباح اليانصيب كبيرة بما يكفي، بحيث يمكن للدخل الذي تدره أن يغير الحياة. ويقدر الاقتصاديون أن متوسط المكاسب يعادل 7800 دولار إضافية في السنة، على غرار مقترحات الدخل الأساسي الشامل. ويتم أيضاً اختيار الفائزين باليانصيب عشوائياً، مما يجعل التجربة جيدة.
وعلى عكس إطلاق العنان للإبداع والتحفيز وريادة الأعمال، يقدر الاقتصاديون أنه من غير المرجح أن يبدأ الفائزون باليانصيب مشروعاً ناجحاً. ويقدرون أيضاً أن الفائزين كانوا يعملون أقل وكانوا أكثر عرضة لتبديل وظائفهم بوظائف أخرى تدفع أجراً أقل. لاحظ الاقتصاديون أيضاً أن العديد من الفائزين غيّروا مكان إقامتهم بعد فترة وجيزة من فوزهم باليانصيب، وعادةً إلى منطقة ريفية أكثر عزلة. لكن قلة منهم انتقلوا إلى أحياء ذات جودة أعلى، من حيث المستوى الجامعي للجيران، ومتوسط الدخل، والمقاييس الأخرى التي تزيد من الفرص المتاحة لهم ولأطفالهم. كان هناك تأثير إيجابي واحد: فائزو اليانصيب أكثر عرضة للزواج وأقل عرضة للطلاق.
قد تعتقد أن العيش في البلد والعمل أقل ليس بالأمر السيئ، لأن العمل في وظيفة منخفضة الأجر يمكن أحياناً أن يوفر مزايا أخرى، مثل قضاء المزيد من الوقت مع أطفالك. لكن هناك تكاليف. غالباً ما يعني العمل في وظيفة ذات متطلبات أقل أنك تتخلى عن تعلم مهارات جديدة والحصول على زيادة في الأجر. قد لا تكون هذه مشكلة كبيرة للأشخاص في منتصف العمر. لكنها يمكن أن تترك الشباب الذين ما زالوا يؤسسون حياتهم المهنية ويكتسبون المهارات أسوأ حالاً. تحدث معظم الزيادات في الأجور في العشرينيات والثلاثينيات من العمر، وإذا فاتتك تلك السنوات فمن المحتمل أنك لن تلحق بالركب.
إن نظام الرفاهية الحالي لدينا غير كامل. لكن حقيقة أنه يجعل المدفوعات متوقفة على الدخل أو العمر أو حتى إنجاب طفل هو بديل أفضل. أولاً، إنه أقل تكلفة لأنك لست مضطراً لتقديم المال للعديد من الأشخاص الذين لا يحتاجون إليه. ثانياً، إن المال المضمون (أو المال الذي تحصل عليه بغض النظر عما يحدث) يستحق أكثر بكثير من الدخل الذي لا يؤتي ثماره إلا لبعض الوقت. كلما زادت الأموال التي نمنحها للناس، كان تأثيرها أكبر على سلوكهم، وغالباً بطريقة ليست جيدة.

 

أليسون شراجر*

*زميلة بارزة في معهد مانهاتن
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»