أشياء قليلة تبدو مستقرة ويمكن التنبؤ بها مثل القمر. فهو يتحول من هلال متزايد إلى قمر مكتمل (بدر)، ثم مرة أخرى إلى هلال متناقص، ويعود مرة أخرى كل شهر. وهو أهم عامل في حدوث المد والجزر. يواجه نفس الجانب من القمر الأرض دائماً. وفي كثير من الأحيان، يحجب الشمس مؤقتاً.
لكن هناك شيئاً ربما لا يعرفه معظم الناس عن القمر: «إنه يتذبذب». في بعض السنوات، يؤدي التذبذب إلى انخفاض المد والجزر، وفي حالات أخرى، يجعله أعلى. كان هذا يحدث منذ آلاف السنين. ولكن عند حدوثه مع ارتفاع منسوب المياه بسبب تغير المناخ، ينتج عن ذلك قيام عاصفة تؤدي إلى زيادة سريعة في تواتر فيضانات المد والجزر عبر السواحل.
هذا ليس تحذيراً افتراضياً. لكنه سيحدث في العقود القادمة. وقد حان الوقت للاستعداد الآن. مصطلح «التذبذب» يجعل هذه الظاهرة تبدو غير متوقعة، لكنها في الواقع من الحركات المنتظمة للقمر، كما يوثق تقرير حديث من وكالة «ناسا» وباحثون من جامعة «هاواي». ويوضح المؤلف الرئيس للتقرير، «فيليب طومسون»، أن القمر لا يدور حول الأرض فقط على سطح مستوٍ، فمداره مائل، لذلك يتأرجح على طول مسار مشابه لعُملة معدنية على وشك التوقف عن الدوران.

والنتيجة هي دورة متكررة تستمر 18.6 سنة، ولها تأثير كبير على المد والجزر. خلال نصف تلك الدورة، يقوم القمر بقمع المد. لكن بالنسبة للنصف الآخر، فإنه يضخمه. هذا النصف الثاني، جنباً إلى جنب مع ارتفاع مستويات سطح البحر، هو الذي سيؤدي إلى ارتفاع وتيرة الفيضانات الساحلية في ثلاثينيات القرن الحالي. متى سيحدث هذا بالضبط يعتمد على الموقع. لكنه سيحدث في كل مجتمع ساحلي في نهاية المطاف.

خذ، على سبيل المثال، سانت بطرسبرج، فلوريدا. تشهد المدينة حالياً الجزء المضخّم من تذبذب القمر، والذي سينتهي بحلول منتصف العقد الحالي 2025. في العقد التالي، سيبدأ القمر في قمع المد والجزر هناك. وهذا يعني أن المدينة لن تشهد على الأرجح زيادة كبيرة في فيضانات المد والجزر، على الرغم من أن مستويات سطح البحر ستستمر في الارتفاع بسبب تغير المناخ.

ولكن بمجرد أن يبدأ القمر في التذبذب مرة أخرى في أوائل عام 2030، ستكون سانت بطرسبرج في حالة شديدة من الصحوة. في حين أن المدينة لا تشهد حالياً فيضانات مرتفعة سوى في عدد قليل من الأيام في السنة، إلا أنه بحلول عام 2043، يتوقع فريق طومسون ما يزيد عن 80 يوماً من الفيضانات أو أكثر سنوياً.

يجب على المشرعين المحليين والفيدراليين وعلى مستوى الولايات أن يبدؤوا التخطيط لذلك. يتعين عليهم بناء الشراكات وتوسيع الموارد ووضع السياسات التي تعطي الأولوية للتعامل بمرونة في المناطق الساحلية. يجب على المواطنين إعلام القادة المنتخبين أنه من غير المقبول تجاهل التحذيرات الجديدة بشأن تغير المناخ. ويجب أن يوضحوا أنهم لن يتحملوا مياه الفيضانات المتكررة في منازلهم وشركاتهم وبنيتهم التحتية المجتمعية.

تستجيب بعض الولايات لهذه الدعوة، ولكن سيتعين على المزيد اتباعها. تعمل فيرجينيا على وضع خطة لمساعدة المناطق الساحلية على سرعة التكيف من شأنها معالجة ارتفاع منسوب البحر والعواصف القوية. وللتأكد من سماع الآراء المتنوعة، يتشاور الكومونولث مع المجتمعات المهمشة التي لم يتم تمثيلها تاريخياً في التخطيط، حتى عندما تتأثر هذه المجتمعات بشكل غير متناسب بالفيضانات.

وطورت ماريلاند ونيوجيرسي سياسات لتعزيز الحلول القائمة على الطبيعة لمكافحة مشاكل الفيضانات في المستقبل. تشمل هذه الحلول المساحات الخضراء المفتوحة، واستعادة الأراضي الرطبة وغيرها من المشاريع التي تزيد من قدرة الطبيعة على امتصاص مياه الفيضانات.

وحصل برنامج المرونة الجديد على مستوى الولاية في ساوث كارولينا على تمويل لأول مرة لمساعدة المجتمعات على إعادة البناء بطريقة أفضل، ودعم الحكومات المحلية من خلال عمليات شراء طوعية للممتلكات المعرضة للفيضانات لإعادة تلك الأراضي إلى سهول الفيضانات التي تعمل بشكل طبيعي. ويمكن للولايات الأخرى أن تفعل الشيء نفسه.

هذه الأنشطة والمشاريع –التي يجب أن تبدأ الآن لتقليل المخاطر المستقبلية على المنازل والمباني والبنية التحتية المجتمعية –هي استثمار جيد لدافعي الضرائب. تظهر الأبحاث أن كل دولار يتم استثماره في التخفيف من الفيضانات يوفر 6 دولارات من تكاليف الاسترداد.

يلعب الكونجرس والرئيس أيضاً أدواراً محورية. نحن بحاجة إلى قيادة تجعل من مقاومة الفيضانات أولوية قصوى، وليس فقط لمجتمعاتنا الساحلية. تتعرض المجتمعات الداخلية للفيضانات عاماً بعد عام. في عام 2019، واجهت العديد من البلدات الواقعة على طول نهري ميسيسيبي وميسوري مستويات تاريخية لمياه الفيضانات. وعلى مدى العقد الماضي، تم إصدار المزيد من إعلانات الكوارث الرئاسية المتعلقة بالفيضانات للولايات الداخلية أكثر من الولايات الساحلية.

لقد رأينا في كل من الولايات المتحدة وأوروبا الخسائر الفادحة في الأرواح والممتلكات التي يمكن أن تسببها الفيضانات. وينفق بلدنا وحده المليارات سنوياً على الاستجابة للفيضانات. والأسوأ لم يأت بعد. ربما يحدث تذبذب القمر بعد عقد من الزمان، ولكن حان الوقت للتصدي لارتفاع منسوب مياه البحر والفيضانات.

لورا لايتبودي

مديرة «مشروع المجتمعات الجاهزة للفيضانات» التابع لمنظمة «بيو الخيرية» غير الحكومية وغير الربحية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»