يُرجِع بعض المحللين نشوء التنظيمات الإرهابية إلى أسباب راديكالية وأيديولوجية وحواضن ظرفية -مكانية وزمانية- تنتهي بانحسار الهدف أو القضاء عليه في مكان ما بضربات قاسية وساحقة، لكن الواقع مغاير لتلك الرؤية القاصرة تماماً، إذ أن الإرهاب، وتبلور كياناته، لا يخضع لمكان ولا زمان ولا ظروف، فقد يتكون أو يتلاشى في بقعة، لكنه لا يتوارى بالمطلق طالما أن الهدف الأساسي لهذه الكيانات هو تقويض الدول، ولا أقل من ذلك! في تقرير جديد أعده فريق الدعم التحليلي التابع للأمم المتحدة وصدر يوم 21 يوليو 2021، بشأن تنظيميّ «داعش» و«القاعدة» وما يرتبط بهما من جماعات فرعية وأفراد ومؤسسات وأنشطة ما زالت قائمة وفاعلة، يؤكد معدو التقرير على وجود نشاط لتنظيم «القاعدة» في منطقة الشام وتحديداً في إدلب السورية حيث يقدر عدد المقاتلين بنحو 10.000 مقاتل، يُخشى انتقالهم إلى أفغانستان حيث ما زال التنظيم يَنشط بزعامة الظواهري رغم مرضه، ويرجح أن يخلفه «سيف العدل» (محمد صلاح الدين زيدان) المتواجد حالياً في إيران.

وقد تنشط أعمال «القاعدة» مجدداً مع التطورات الجديدة في أفغانستان وسيطرة جماعة «طالبان» على أكثر مناطقها الحدودية، مما قد يفضي إلى خلق بيئة آمنة لتنامي التعاون بين التنظيم والجماعة، وإن لم يكن بشكل ظاهري في الوقت الراهن، رغم اتفاقية إحلال السلام المبرمة بين الولايات المتحدة و«طالبان» في فبراير 2020، أي قبل انسحاب القوات الأميركية. وتقضي الاتفاقية بالتزام «طالبان» بقمع أي تهديد إرهابي دولي، فحركة «طالبان» في باكستان، على سبيل المثال، تشكل تهديداً للمنطقة كونها تعمل على توحيد الجماعات المنشقة وتشن الهجمات عبر الحدود الباكستانية، معتمِدةً على مصادر مالية قوية من التهريب والابتزاز وأموال الضرائب والمخدرات، هذا فضلاً عن تواجد التنظيم على طول خليج عدن في اليمن وتمكنه من مرافق البنية التحتية للنفط والغاز.

كما يوضح التقرير، وبشكل جلي، أن أنشطة تنظيم «داعش» في العراق وسوريا قد تطورت لتتخذ أشكالاً جديدة من التمرد واستغلال مكامن الضعف في الأمن المحلي للبلدين -أي العراق وسوريا- لتخترق المناطق الأكثر أماناً، مستهدفةً القوات المشاركة في عمليات مكافحة التنظيم، ولتسيطر على الطرق التي تربط محافظات ديالى وكركوك وصلاح الدين وتكريت في العراق.

لا يزال التهديد الذي تشكله التنظيمات الإرهابية، مثل «داعش» و«القاعدة»، قائماً حتى في المناطق البعيدة عن محاضنها. ففي فبراير الماضي أُلقي القبض على 14 شخصاً في الدنمارك وألمانيا خططوا لهجمات إرهابية بمواد كيميائية متفجرة.

وفي السياق ذاته اعتقلت السلطات الفرنسية أفراداً من أصول شيشانية وباكستانية شاركوا في التخطيط للهجمات التي وقعت قرب كاتدرائية نوتردام في نيس. هذا بالإضافة لتفكيك خليتين إرهابيتين من أصول شيشانية شرق فرنسا في مايو الماضي وغير ذلك من العمليات المتفرقة، في الوقت الذي ما تزال فيه تغذية نزعة التطرف والإرهاب قائمة في بعض الدول، وخصوصاً في السجون التي يختلط داخلها الإرهابيون بغيرهم، حتى في أوروبا التي اكتوت بنار الإرهاب وهجماته!

القاعدة الأبرز لبقاء الإرهاب تعتمد على التمويل، فإذا كانت الموارد الأساسية وسبل الإمداد لهذه التنظيمات مستمرة فإن مخاطر الإرهاب باقية، فالوقت الذي تستقطعه المؤسسات الحافظة للأمن حول العالم لجمع المعلومات هو بالضرورة عامل مهم لهذه الكيانات كي تستجمع قواها وتعيد تموضعها وتستثمر في مصادر تمويلها، سواء أكانت في تجارة المخدرات أو التهريب أو حتى صناعة المتفجرات التقليدية وتهريب الذخائر والأسلحة وإعادة تشكيلها.

والحل يكمن، كما جاء في تقرير الأمم المتحدة آنف الذكر، في عدة إجراءات تشكل ضربات تشل قدرة هذه الكيانات على مواصلة أنشطتها، بدءاً باستحداث قاعدة بيانات بقوائم أسماء الإرهابيين المعروفين والمشتبه بهم ومَن لهم علاقة بهذه التنظيمات، وبالتالي تجميد الأصول المالية العائدة لها وحظر الأسلحة ورصد تهريبها وتكييف سبل «التشديد» لوقف أي عمليات مالية مشبوهة، خصوصاً في المناطق والدول الحاضنة لهذه التنظيمات، ومراقبة الحدود والقنوات التي تتم من خلالها عمليات التهريب للمواد الأساسية لصناعة المتفجرات، مثل مادة «تي. أن. تي» ونترات الأمنيوم وجميع مواد السلائف المتفجرة.

*كاتبة سعودية