انتشرت في السنوات الأخيرة العديد من التحليلات الخاصة بالتطورات السريعة في صناعة الطاقة، وهي كثيرة ومتنوعة، إلا أننا هنا سنتناول جزئيتين تتعلقان بتطوير مصادر الطاقة المتجددة ومستقبل دول مجلس التعاون الخليجي، باعتبار أن اقتصاداتها تعتمد بصورة أساسية على النفط والغاز المهددين بالنضوب أو بالتخلي عنهما لصالح مصادر الطاقة النظيفة والمتجددة.

السؤال هنا: ما حقيقة كل هذه التطورات والمخاوف المرتبطة بها؟ وما مصير أوطاننا؟ سنحاول الإجابة على هذه الأسئلة الكبيرة والمصيرية قدر ما تسمح به هذه المساحة المحدودة، ولنأخذ على سبيل المثال الهيدروجين باعتباره أحد أهم أشكال الطاقة المستقبلية البديلة، بنوعيه الأخضر والأزرق، والذي يتوقع استخدامه على نطاق واسع في وسائل النقل والصناعة وإنتاج الأسمدة واستخدامات كثيرة أخرى، وهو وقود ينتج من خلال الكهرباء بفصل الأكسجين عن الهيدروجين عبر علمية كيميائية.

لنعرف أولاً الفرق بينهما، فالهيدروجين الأخضر يتم إنتاجه باستخدام مصادر الطاقة المتجددة، كالطاقة الشمسية، وبالتالي لا ينتج عنه تلوث، كثاني أكسيد الكربون، أما الأزرق فيتم إنتاجه باستخدام مصادر الطاقة الهيدروكربونية، كالنفط والغاز، مما يؤدي إلى انبعاثات ملوِّثة. ولذلك، تمتلك دول مجلس التعاون إمكانات هائلة لإنتاج الهيدروجين بنوعيه. وبالنسبة للهيدروجين الأخضر، فإنها تملك حصة الأسد من الطاقة الشمسية النظيفة التي يمكن استخدامها لإنتاجه، وكذلك تملك نفس الحصة المهيمنة لإنتاج الأزرق بفضل احتياطاتها الهائلة من النفط والغاز. لقد باشرت دول المجلس العمل في الاتجاهين، أي إنتاج الأخضر والأزرق لتتحول، إلى أحد أهم مراكز تصدير الهيدروجين في العالم، كما سنرى من خلال سرد سريع، فالإمارات انضمت إلى مجلس الهيدروجين العالمي ووضعت استراتيجية وطنية للطاقة النظيفة لعام 2050، حيث تنتج «أدنوك» حالياً 300 ألف طن متري سنوياً من الهيدروجين وقامت الأسبوع الجاري بتصدير أول شحنة من الهيدروجين الأزرق لليابان، ولديها العديد من المشاريع الجديدة بشراكات عالمية، كتأسيس مجموعة عمل مع روسيا للطاقة الهيدروجينية. كما دشنت دبي مشروع الهيدروجين الأخضر الأول من نوعه في المنطقة باستخدام الطاقة الشمسية. وفي السعودية سيصبح مشروع إنتاج الهيدروجين الأخضر جاهزاً بحلول عام 2025 بطاقة إنتاجية كبيرة تبلغ 650 طناً و1.2 مليون طن من الأمونيا الخضراء، وهو أحد أكبر المشاريع المماثلة في العالم. أما في الكويت، فقد انتهت شركة البترول الوطنية من العمل في وحدة جديدة للتكسير الهيدروجيني يمكنها إنتاج 454 ألف طن من الوقود النظيف بتكلفة 16 مليار دولار.

في حين تنفذ شركة عمان للنفط، بالتعاون مع مجموعة من الشركات الأجنبية، مشروعاً لإنتاج 1.8 مليون طن من الهيدروجين الأخضر بتكلفة 30 مليار دولار، باستخدام الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. ويشير هذا الموجز حول مشاريع الهيدروجين بنوعيه في دول مجلس التعاون الخليجي، إلى أن الأمور تسير في الاتجاه الصحيح لتواكب التغيرات الكبيرة والسريعة في سوق الطاقة العالمي، لتحافظ دول المجلس على موقعها المهم، باعتبارها مصدراً للطاقة التقليدية والطاقة النظيفة المتجددة على حد سواء، مما سيساعدها على تنويع مصادر الدخل والمحافظة على مستويات المعيشة المرتفعة، خصوصاً وأن تنمية مصادر الطاقة الهيدروجينية لا تتوقف عند امتلاك النفط والغاز، وإنما أيضاً الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وهما متوفرتان بغزارة في كافة دول المجلس.

وهنا سيقال إن دولاً أخرى في المنطقة والعالم تتمتع بأجواء مشمسة ورياح موسمية، وهذا صحيح، إلا أن تطوير طاقة الهيدروجين يحتاج إلى استثمارات هائلة، كما رأينا آنفاً، حيث تتوفر لدى دول المجلس الأموال اللازمة لإقامة هذه المشاريع، على العكس من معظم بقية الدول.

كما أن تكلفة الهيدروجين الأخضر مرتفعة جداً بالقياس إلى الأزرق، وهو ما يمنح دول المجلس ميزةً إضافية. وبالنتيجة فإن مَن يملك مصادر الطاقة عليه أن لا يجزع من المستقبل إذا وَضَعَ البرامج اللازمة لمواجهة التحديات وسخَّر إمكاناته لتطوير البدائل، مع ضرورة أن يرتبط ذلك مع الاهتمام بالتعليم واقتصاد المعرفة المستند على التقنيات الحديثة والذكاء الاصطناعي.

*خبير ومستشار اقتصادي