تبدأ أنشطة اقتصادية في الظهور لتلبية الطلب على أنواع جديدة من ترتيبات واقع العمل. فقد أظهرت الجائحة لنا مدى تجاوز الزمن لنمط المكاتب أحادية الحجم التي تلائم الجميع لـ 40 ساعة عمل في الأسبوع. والعاملون في مجال المعرفة يتطلعون إلى نماذج جديدة وما ظهر نتيجة هذا هو هجين من المناهج القديمة. وأحد هذه النماذج التي يحدوني التفاؤل تجاهها هو «نوادي الأحياء»، وهو مكان يمزج بين المقهى ومكان العمل الجماعي. 
ودعونا نفحص نواحي القصور في أنماط أماكن العمل الموجودة الثلاثة بالنسبة لكثير من العاملين. فمكتب العمل المركزي التقليدي قد يكون في موقع غير ملائم أو غير ضروري فحسب لنوع العمل الذي يجري القيام به. وهذا أحد الأسباب التي جعلت العمل عن بعد يحظى بشعبية. والعمل من المنزل له قيوده أيضاً، فليس كل شخص لديه غرفة خاصة به يمكنه تحويلها إلى مكتب منزلي. وربما يعيش المرء في منزل مع أطفال صغار أو أعضاء آخرين من الأسرة قد يشتتون انتباهه أثناء العمل. وبعض الناس يفضلون العمل مع متخصصين آخرين على قضاء اليوم منفردين. 
وحتى الآن، فالبديل هو نموذج العمل الجماعي التقليدي، وهو شيء يشبه ما توفره شركة ويوورك «WeWork Co»، لكن هناك ما يقيد هذه المكاتب أيضاً. فهي غالباً في مناطق تجارية مركزية، وإذا كان المرء لا يريد أن يسافر عبر المدينة ليصل إلى مكتب عمله، فلن يرغب على الأرجح في الذهاب إلى مكتب تابع لشركة ويوورك أيضاً. وهذا البديل مكلف أيضاً قياساً على ما قد يبتغيه من المساحة. فربما يريد فقط مكاناً لقضاء ساعات قليلة في اليوم في عدد أيام قليل في الأسبوع، مما يعني أن عضوية تكلف بضعة دولارات في الشهر ليست مشكلة كبيرة. 
لنتناول الآن نوادي الأحياء. فقد دخلت واحدة من هذه المؤسسات وهي «سويتشياردس» في مدينة أتلانتا، ولاية جورجيا، بعد أن تواصلت من جديد في الآونة الأخيرة مع مؤسسها وهو من المعارف الاقتصاديين المحليين. ويروقني أن أصفها بأنها نموذج للمقهى لكن بالمقلوب. ففي المقهى، يدفع المرء مقابلاً للمشروب ثم إذا كان المقهى مزوداً بمقاعد وطاولات مريحة، فقد ينتهي الحال به إلى العمل لبضع ساعات، مستأجراً المكان في واقع الحال مجاناً. أما في نموذج «نادي الحي»، فيدفع المرء رسماً شهرياً- في حالة «سويتشياردس» يبلغ 50 دولاراً- ثم يحصل على مشروب مجاناً. ولدى «سويتشياردس» الآن ثلاثة مواقع في أتلانتا اثنان منهما في تجمعات سكانية مليئة بالعاملين في مجال الإبداع. والفكرة هي إقامة مواقع في أحياء إقامة السكان بدلاً من إقامتها في أحياء المكاتب التقليدية. 

وهذا تصور مثالي لمن يريدون العمل خارج منازلهم والاجتماع بأشخاص بشكل شبه منتظم، ولا يريدون في الوقت نفسه قطع مسافة طويلة إلى مكتب تقليدي أو عضوية في أماكن العمل الجماعي قد تكون مكلفة للغاية بالنسبة لهم. وبالنسبة لمالك النادي، قد توفر رسوم العضوية الشهرية تدفقاً يمكن توقعه من النقد. ولأن المالك يبيع عضوية وليس مواقع محجوزة، بوسعه بيع المساحة أكثر من مرة، كما تفعل صالات الألعاب الرياضية، بدلاً من تقسيم المساحة بين مستأجرين للمكاتب. وهناك تصور مشابه في مدينة نيويورك يطلق عليه «دايبيز» أسسه مديرون سابقون في «ويوورك» أملاً في ملء الفجوة بين المكتب والمنزل. 

وبعد أن قضيت بعض الوقت في «سويتشياردس» في حي «كابجتاون»، أعتقد أنه نوع من النشاط الاقتصادي يناسب جيداً إعادة تطوير مراكز الضواحي الأوسع لاستيعاب المزيد من العاملين عن بعد. فكما تحول تركيز تطوير السلاسل القومية الكبيرة للغذاء السريع إلى نشاط للحصول على الطعام والرحيل دون تناول الوجبات في مطعم، فمن المعقول أن يدفع العاملون عن بعد مباشرة لذاك النوع من مكان العمل الذي يريدونه، دون إنفاق خمسة دولارات في القهوة، أملاً في العثور على نوع بيئة العمل التي يريدون في الوقت الذي يريدون. 

وما لم يتضح بعد هو النهج الذي ستسلكه أماكن العمل المتمركزة في الضواحي والقائمة على أساس العضوية. فإذا أثبت النموذج نجاحه، فهل سيتمخض هذا عن مجموعة من الفائزين الإقليميين أو المحليين؟ أم ستجمع شركة مدعومة برأس مال استثماري كميات من الأموال لبناء مئات من نوادي الأحياء تلك في أنحاء البلاد في عملية استيلاء على الأماكن كتلك التي رأيناها من شركة «ويوورك» العقد الماضي؟ بصرف النظر عن كل هذا، هناك حاجة إلى أنواع مختلفة من نماذج مساحة العمل على نطاق أوسع مما نشهده الآن، وأنا اتطلع إلى ما ستنتجه التصورات الأخرى.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوستت وبلومبيرج نيوز سيرفس»