ربما يكون عدد سكان أميركا آخذاً في التقلص. هذا في الغالب بسبب كوفيد-19، لكنه أيضاً جزء من اتجاهات الخصوبة طويلة المدى التي لا تظهر أي علامات على التراجع. وبالفعل، تسببت هذه الاتجاهات، المنتشرة في جميع أنحاء العالم، في حدوث اضطراب اقتصادي كبير ومن المرجح أن تستمر في ذلك.
إليكم بعض البيانات:
من عام 1936-1956، ارتفع معدل الخصوبة في الولايات المتحدة من 1.8 إلى 3.2 فرد، وفي ذروة طفرة المواليد، كان لدى المرأة العادية في الولايات المتحدة ثلاثة أطفال على الأقل ظلوا على قيد الحياة حتى سن الرشد. (يعتبر المعدل 2.1 هو مستوى الإحلال، مما يجعل عدد السكان متماسكاً بمرور الوقت.)
وكانت النتيجة جيلاً ضخماً لم يغير الثقافة الأميركية فحسب، بل أنشأ أيضاً سوقاً للعمالة لرواد الأعمال المحتملين والشركات النامية. من الستينيات حتى منتصف الثمانينيات، بلغ متوسط صافي الاستثمار المحلي من قبل الشركات الخاصة 5.4% من الناتج المحلي الإجمالي كل عام. ومن كل 20 دولاراً يتم إنفاقه في الاقتصاد الأميركي، يتم توجيه دولار واحد نحو توسيع حجم ونطاق المؤسسة الخاصة.
بعد طفرة المواليد، كان هناك تراجع ملحوظ في معدل المواليد. وفي عام 1978، كان معدل الخصوبة حوالي 1.7، أي قريب من أدنى مستوياته خلال حقبة الكساد العظيم. ثم عاد معدل الخصوبة إلى حد ما إلى مستواه الطبيعي في العقود التالية، ووصل إلى 2.1 في عام 2007 قبل أن يبدأ اتجاهه الهبوطي إلى 1.6 في عام 2020.
واتبعت استثمارات الأعمال المحلية هذا النمط. منذ أواخر الثمانينيات وحتى أواخر العقد الأول من القرن 21، تجاوز معدل الأجيال السابق مرة واحدة فقط –قبل انهيار الإنترنت مباشرة، في الربع الثاني من عام 2000 عندما وصل إلى 5.6%.
لم تكن التحولات الديموغرافية هي الأمور الوحيدة، التي أثرت على الاقتصاد خلال تلك الفترة بالطبع. فقد لعب كل من صعود الإنترنت ونمو الاقتصاد الصيني وتحول النظام في السياسة النقدية دوره. لكن من الصعب المبالغة في تقدير تأثير التركيبة السكانية، التي كانت رياحاً خلفية للاقتصاد الأميركي بعد الحرب العالمية الثانية، ثم أصبحت رياحاً معاكسة ثابتة في أواخر الثمانينيات، وظلت كذلك منذ ذلك الحين.

تركز الكثير من التعليقات حول الآثار الاقتصادية لمجتمع متقدم في العمر على الضغط الذي سيضعونه على نظام الاستحقاقات. سيكون هناك عدد أقل من العمال الذين يدفعون المزايا لمجموعة أكبر من المتقاعدين.

لكن التأثير على الاقتصاد الكلي أوسع نطاقاً. من دون زيادة المعروض من العمال الجدد، يواجه الاستثمار الخاص الجديد وقتاً عصيباً في تحقيق عوائد حقيقية إيجابية متسقة. وليس من قبيل المصادفة أن عوائد السوق على مدى الـ 25 عاماً الماضية، قد هيمن عليها قطاع التكنولوجيا، والذي يستخدم عدداً أقل من العمال نسبياً، بينما انخفضت أسعار الفائدة الحقيقية على المدخرات بشكل عام.
يؤدي تقدم عمر السكان وتقلصهم إلى مآزق وطنية أكثر منها مالية. من بين هذه المآزق أنه مع انخفاض العائد الحقيقي على الاستثمار المادي العادي، ينخفض أيضاً معدل الفائدة الضروري للحفاظ على الاقتصاد في حالة ازدهار.
شهد العالم هذه الظاهرة لأول مرة في اليابان، التي لم تشهد طفرة مواليد ما بعد الحرب. على الرغم من الاقتصاد المتطور تقنياً والموجه نحو التصدير، انخفض معدل السياسة الرئيسية للبنك المركزي الياباني (بنك أوف يابان) بشكل مطرد من 6% في عام 1991 إلى 0.5% فقط في 1995. وشهدت اليابان عقداً ضائعاً سيئ السمعة، حيث لم يكن هناك إنفاق حكومي ضخم ولا فائدة منخفضة باستمرار بحيث يمكن أن تنعش الاقتصاد بشكل كامل.
يتطابق هذا تقريباً مع تجربة الولايات المتحدة بعد 2008. ففي الواقع، شهدت اليابان فقاعة عقارية هائلة في أواخر الثمانينيات، والتي انفجرت وأدت إلى انهيار الاقتصاد بأكمله. يستمر هذا النمط لأنه عندما لا تستطيع الشركات توليد استثمارات مربحة كافية تطابق معدل الادخار لدى كبار السن من السكان، فإن الفائض ينتهي به الأمر إلى رفع سعر الأراضي.
في النماذج الاقتصادية الرسمية لهذه الظاهرة-المعروف بالركود العلماني – يمكن لأسعار الأراضي أن ترتفع إلى ما لا نهاية. لكنها في العالم الحقيقي عرضة لحدوث فقاعات.
يعد الميل إلى حدوث فقاعات مشكلة رئيسية أخرى ناتجة عن تراجع التركيبة السكانية. على الرغم من أن الولايات المتحدة قد وضعت لوائح مالية أكثر صرامة في محاولة للتخفيف من الفقاعات، إلا أن الضغط الأساسي لا يزال قائماً.
فما الذي يمكن عمله إذن حيال كل هذا؟ جمع زميلي «مات إيجلاسياس» العديد من أفضل الاقتراحات في كتابه بعنوان «مليار أميركي»، الذي يعبر عنوانه بإيجاز عما يعتقد أنه يجب أن يكون الهدف. ومع ذلك، فإن العديد من الأفكار الأكثر جدوى سياسياً –مثل زيادة الإنفاق الحكومي على رعاية الأطفال وغيرها من أشكال الدعم للأسر الشابة –لن تقدم سوى دفعة متواضعة في النمو السكاني. وفي الوقت نفسه، فإن الأفكار التي توفر أكبر الإمكانات للنمو السكاني، مثل الإصلاح الشامل لنظام الهجرة، هي الأقل جدوى سياسياً.
والنتيجة هي أنه من المرجح أن تكون التركيبة السكانية عبئاً كبيراً على الاقتصاد الأميركي خلال العقود القليلة القادمة. وهذا يعني بيئة بطيئة ومعرضة للفقاعات وخطراً بحدوث ركود كبير آخر. بعبارة أخرى، بغض النظر عن الطريقة التي تنظر بها إلى ذلك، فإن تقلص عدد السكان يعد خبراً سيئاً.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»