حالياً، ولأول مرة في التاريخ، أصبح من المتوقع والمفترض، أن نحيا حتى العقد السادس من العمر، وأكثر من ذلك في أحياناً كثيرة. هذه الزيادة الملحوظة في متوسط أو مؤمل العمر مقارنة بالأجيال السابقة، تمنح الأفراد وعائلاتهم، والمجتمع برمته، فرصة ومجالاً غير مسبوقين للاستمتاع بالحياة، ولإثراء رحلتنا على ظهر هذا الكوكب، والمساهمة في بناء مجتمعاتنا لفترة أطول، وخلق بيئة أفضل لأجيال المستقبل. فهذه السنوات الإضافية في متوسط العمر مقارنة بأسلافنا، يمكن أن تستغل في تحقيق آمال لم تسنح الفرصة سابقاً لتحقيقها، أو ممارسات هوايات لطالما حلم المرء بممارستها والاستمتاع بها.

ولكن هذا كله، يتوقف تحقيقه وإنجازه على عامل مهم ورئيسي، وهو الحالة الصحية خلال سنوات ربيع العمر. فللأسف يبدو أن النجاح الذي حققه الجنس البشري على صعيد زيادة مؤمل العمر، ترافق مع زيادة أخرى ملحوظة في الأمراض المزمنة التي أصبحت تصيب أفراده في العقود الأخيرة من العمر. هذه الحقيقة أظهرتها عدة دراسات، آخرها دراسة بريطانية شهيرة (British Cohort Study) والتي تتابع 17 ألف شخص في إنجلترا واسكتلندا وويلز، منذ عقد السبعينيات. وعلى حسب آخر البيانات والإحصاءات الصادرة عن هذه الدراسة، اتضح أن 34% من المشاركين في الدراسة أو الثلث تقريباً، يعانون من مرضين أو أكثر من الأمراض المزمنة، ما بين سن 46 و48 عاماً.

وجاء ترتيب هذه الأمراض حسب التالي: الإفراط في شرب الكحوليات (26%)، ثم آلام الظهر المزمنة (21%)، والاضطرابات النفسية والعقلية (19%)، وارتفاع ضغط الدم (16%). هذا بالإضافة إلى انتشار معدلات الإصابة بين أفراد هذه الفئة العمرية بالتهاب المفاصل، والسكري من النوع الثاني، والأزمة الشعبية، والتهاب الشعب الهوائية المزمن. ورغم أن في مجتمعاتنا وشعوبنا لا يشكل الإفراط في شرب الكحوليات مشكلة صحية واسعة الانتشار، فإن مما لا شك فيه أن السمنة المفرطة والسكري من النوع الثاني ينتشران بمعدلات أكبر بكثير في مجتمعاتنا مقارنة بالمجتمعات الغربية.

هذا الواقع هو بلا شك نتيجة نمط الحياة العصرية، والتي تتميز بقلة الحركة والنشاط البدني، مع الإفراط في تناول الأطعمة المرتفعة المحتوى من السعرات الحرارية والمنخفضة في القيمة الغذائية، هذا بالإضافة إلى ضغوطات الحياة الحديثة وإيقاعها المتسارع والذي يتسبب في مشاكل نفسية واضطرابات عقلية للكثيرين. وأمام هذا الوضع المؤسف، يصبح من الضروري تفعيل إجراءات وتدابير في مجال الصحة العامة، تستهدف الأطفال والمراهقين، إذا ما كان لنا أن نرفع من مستوى صحة الأجيال القادمة، وأن نجنبهم الإصابة بالأمراض المزمنة في العقود اللاحقة من العمر.