انصب تركيز عقود من عمل المجتمع الدولي لإنهاء الجوع على مستوى العالم على الحاجة إلى «الزيادة». والمقصود هنا زيادة الإنتاج وزيادة مساحة الأراضي المنزرعة وزيادة حصيلة الصيد البحري لتوفير المزيد من الطعام للمزيد من الناس. لكن مع استعداد زعماء العالم وخبراء دوليين لأول قمة دولية على الإطلاق لإنظمة الغذاء مقرر عقدها في مقر الأمم المتحدة في سبتمبر المقبل، ظهرت الحاجة إلى «التقلص» بفضل تغير في طريقة التفكير. والمقصود هنا تقليص تأثير تغير الأنظمة البيئية الطبيعية على الأراضي الزراعية، وتقليص انفصال صغار المزارعين عن سلاسل الإمداد بالغذاء. 

وربما أهم شيء هو تقليص هدر وفقد الغذاء. فقد ذكرت «ليز جودوين»، مدير هدر وفقد الغذاء في «المعهد العالمي للموارد»، وهي أيضاً رئيس «مجلس لندن للهدر وإعادة التدوير»، أن «هذا العام يقدم فرصة محورية لنا لمناقشة نظام الغذاء برمته على نطاق أوسع والصعود بهدر وفقد الغذاء إلى مكانة متقدمة في قائمة الأولويات العالمية». وتؤكد «جودوين» أن هدر وفقد الغذاء ليس مشكلة مقتصرة على العالم المتقدم فحسب، بل أصبحت قضية فقد الغذاء محورية لصغار المزارعين في العالم النامي بسبب عدم كفاءة أنظمة التخزين الزراعية وعدم كفاءة سلاسل الإمداد. كما أن ضعف أنظمة تخزين الغذاء في منازل العالم النامي، تعني أن هدر الغذاء ليس مقتصراً على مطابخ الدول الغنية ومطاعم الخمس نجوم الفاخرة. 
أما فيما يتعلق بالغذاء البحري، فالعالم يهدر سنوياً أكثر من ثلث إنتاج الصيد والزراعة السمكية. ومثل هذه الإحصاءات والإدراك المتنامي بأن الجوع العالمي لا يمكن القضاء عليه نهائياً في ظل عقلية «المزيد»، جعلت كثيرين من الخبراء، مثل «جودوين»، يعلقون أملهم بقمة أنظمة الغذاء التي من المقرر أن تواكب الاجتماعات السنوية للجمعية العامة في نيويورك. 

وقمة أنظمة الغذاء تتوج عملية قائمة منذ عامين تقريباً أدت إلى قمة إعدادية في روما، في مسعى مبتكر لتعبيد الطريق إلى القمة العالمية. واجتماعات روما أُريد بها ضمان أن تتمخض قمة سبتمبر عن تعهدات وخطط ملموسة لاتخاذ إجراءات من القادة الدوليين. ويرى ينس رودبيك، أستاذ التنمية الدولية في مركز الشؤون الخارجية بجامعة نيويورك والخبير في قضايا الأمن الغذائي أن «فكرة عقد قمة إعدادية يعكس الحاجة إلى بعض الحوار الجاد في هذا التحدي الخاص بالأمن الغذائي وإنهاء الجوع وكيفية معالجتها». 

وتركز الحوار بشأن حل مشكلة الجوع العالمي على مدار عقود على نهجين أساسيين. الأول هو الحاجة إلى إشاعة التصنيع في إنتاج الطعام في الدول النامية، والثاني وهو أحدث، ويتمثل في أنه لحل مشكلة الأمن الغذائي يتعين البدء بالمزارعين الصغار، وأيضاً الصيادين الصغار والمزارعات والشعوب الأصلية. ويرى «رودبيك» أن الأمل معلق بمدى قدرة القمة الإعدادية على الجمع بين هذين النهجين من أجل العمل نحو هدف واحد. ويرى «رودبيك» أنه مع تذليل النقاط الصعبة في الحوار في روما، قد يصبح رؤساء الدول أفضل استعداداً «لاستخدام المسرح الأكبر» في نيويورك لتقديم تعهدات أقوى لإنهاء الجوع. 

لكن يمكننا الاستنتاج من اجتماعات روما أن الجدل بين المنتجين الزراعين الكبار والصغار سيشتعل فيما يبدو على الأرجح فيما بعد سبتمبر المقبل. وهناك عدد بالفعل من المنظمات الصغيرة وجماعات السكان الأصليين اختاروا مقاطعة القمة التمهيدية وعقدوا فعالياتهم الموازية الخاصة بهم. لكن زعماء العالم والخبراء في روما اعتزموا فيما يبدو إقامة جسور ومعالجة القضايا المحورية مثل هدر الغذاء والتكيف مع المناخ لتقديم خريطة طريق لقمة سبتمبر. 

وذكرت «بياتريث أرجيمون»، نائبة رئيس أوروجواي في الجلسة الافتتاحية في قمة روما أن أحد الاستنتاجات المحورية التي توصلت إليها أوروجواي، في حوارها الوطني الذي دشنته استعداداً لقمة أنظمة الغذاء، هو الحاجة إلى «الاحتفاء ودعم الصمود الرائع للنساء ودورهن المحوري في إحداث تحول في الأنظمة الإنتاجية». ويرى خبراء أن إجراء حوارات قومية مثل الذي عقدته أوروجواي جاء نتيجة جائحة كورونا التي تسببت إلى حد كبير في إضافة ما يصل إلى 180 مليون شخص إلى نحو 830 مليون شخص في العالم إجمالاً غير آمنين غذائياً، أي أكثر قليلاً من 10% من سكان العالم. 

وهذه أول زيادة كبيرة في الجوع العالمي منذ عام 2005 على الأقل، بحسب بيانات «حالة الأمن الغذائي والتغذية في العالم» لعام 2021، بعد خمس سنوات من الثبات الذي كان في حد ذاته أمراً مثيراً لقلق عدد كبير من الخبراء. ولم يتضح بعد إذا ما كانت زيادة العام الماضي «ارتفاعاً طارئاً خاصاً بكوفيد» أم صعوداً طويل الأمد في الجوع العالمي. ولكن «رودبيك» يرى أن من الأمور التي أوضحها نصف قرن من الجهود العالمية لإنهاء الجوع هو أن المقاربات الجديدة ضرورية. 

ويؤكد «رودبيك» أن العالم تعلم الكثير في مسعى تقليص الجوع ووفر الكثير من المعرفة المؤسسية التي ساعدت بشكل ملحوظ برنامج الغذاء العالمي. ومضى يقول: «غيرنا عقلية المستهلكين في العالم المتقدم بشأن أدوارهم في معالجة الجوع، وتحديداً بتقليص هدر الغذاء. ونتحسن في التكامل بين المنتجين الصغار في نظام الغذاء». لكنه أشار إلى أن التصدي للجوع بحاجة للمزيد من الجهد في عالم يواجه تحديات جديدة مثل تسارع تغير المناخ وتزايد أعداد النازحين. 

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»