هناك 27% على الأقل من الأميركيين منفصلون عن عضو من أسرهم، وتشير أبحاث إلى أن نحو 40% من الأميركيين عانوا من الانفصال في مرحلة ما. وأكثر صور الانفصال شيوعاً هو بين الأطفال البالغين وبين أحد الآباء أو كليهما، وهو انفصال يبدأ عادة من ناحية الأبناء. وتوصلت دراسة نُشرت عام 2010 إلى أن احتمالات قيام علاقة مشاكسة بين الآباء والأبناء البالغين في الولايات المتحدة تعادل ضعفيّ احتمالات حدوث هذا بإسرائيل وألمانيا وانجلترا وإسبانيا. 

وكتب «كارل بيليمر»، عالم الاجتماع في جامعة كورنيل- وهو مؤلف كتاب «الصدوع: الأسر الممزقة وكيفية إصلاحها»- يقول: إن الأطفال في هذه الحالات يشيرون غالباً إلى قسوة تعامل الآباء وتفضيلهم لأحد الأبناء على الآخر أو الطلاق أو ضعف التواصل أو العداء المتزايد الذي غالبا ما ينفجر في نقطة الذروة. والآباء في هذه الحالة يشعرون غالبا بالحيرة التامة بسبب اتهامات الأبناء لهم. فهم يتذكرون غالبا منزل طفولة مختلفا، تماماً ويتهمون أطفالهم بسرد ملفق لما حدث. 
وينبع جانب من سوء التفاهم من حقيقة أن كلنا يبني الحقائق بطريقته الخاصة، لكن جانبا آخر من المشكلة، كما أشار «نيك هاسلام» من جامعة ملبورن، هو أن هناك فيما يبدو تحولاً جيلياً في النظر إلى ما يعتبر إساءة. فالممارسات التي كانت تبدو عملية تربية أبوية عادية لأحد الأجيال أصبح يُنظر إليها باعتبارها إساءة وتسلط وصدمة لجيل آخر. وهناك كثير من الإساءة العاطفية الحقيقية، لكن الاختصاصي النفسي «جوشوا كولمان» كتب في مقال في صحيفة «ذي اتلانتيك» يقول «أظهرت أبحاثي في الآونة الأخيرة وعملي الإكلينكي على مدار العقود الأربعة الماضية أن المرء قد يكون والدا فاضلا لكن أطفاله قد لا يريدون أن يكون لهم به علاقة حين يكبرون». 

لكن كل الأطراف المعنية لديها الكثير من الغضب. فالأطفال يشعرون أنهم مضطرون للعيش بتركة طفولة تعرضوا فيها للإساءة. والآباء يشعرون بأنهم مرفوضون من الشخص الذي أحبوه أكثر من أي واحد في العالم، ويشعرون بقلة الحيلة إزاء هذه المشكلة. هناك غضب وحزن واكتئاب لدى كل الأطراف، وهناك عطلات وحفلات عيد ميلاد مؤلمة، والجيل التالي يكبر دون أن يعرف من هم أجداده. ولم يفكر أحد حتى في قياس انفصال الأسر حتى وقت قريب نسبيا. وجادل كولمان- وهو مؤلف كتاب «قواعد الانفصال»- بأن الثقافة الأكثر فردية تعني تغير وظيفة الأسرة. فقد كان ينظر إلى الأسرة ذات يوم باعتبارها رابطة من الواجب والالتزام المتبادل فيها، والآن ينظر إليها باعتبارها منصة انطلاق لتحقيق الطموح الشخصي. وهناك المزيد من التسامح تجاه الانفصال عن الأشخاص المضرين فيما يبدو بحياة المرء. 

وصرحت «بيكا بلاند» التي أسست جماعة الدعم والدفاع البريطانية «ستاند آلون Stand Alone» لهيئة الإذاعة البريطانية «الآن، استطيع أن أعطي أولوية لاحتياجاتي بدلا من محاولة إصلاح الأمور الخارجة عن نطاق سيطرتي. نعم، أنا غاضبة لأنني حصلت على الأم التي لا أريد». وهناك أيضا مشكلة اهتمام الآباء الكبير بالأبناء. فالآباء في وسط الطبقات الأعلى تعليما يستثمرون وقتا وجهدا أكبر في أطفالهم. وأشار مسح لـ «معهد الدراسات المتقدمة في الثقافة» إلى أن ثلاثة أرباع الآباء ممن لديهم أطفال في عمر المدرسة قالوا إنهم يريدون أن يصبحوا أفضل الأصدقاء لأطفالهم في نهاية المطاف. وبعض الأطفال يرون فيما يبدو أنهم بحاجة إلى الانفصال عن الآباء لكي يكون لهم حياتهم الخاصة. وفي بعض الحالات الأخرى، يلقي الأطفال باللائمة على الآباء في أنهم لم ينجحوا كما كانوا يأملون. 

أكتب عن هذه الظاهرة هنا لأنها توحي فيما يبدو بأنها جزء مما يمثل التفكك النفسي في أميركا وهو ما أصبح فكرة يتناولها هذا العمود كثيرا. فهناك توجهات مروعة أينما ذهبنا. فقد بلغت معدلات الاكتئاب الرئيسية وسط الذين تتراوح أعمارهم بين 12 و17 عاما نحو 63% بين عامي 2013 و2016. ومعدلات الانتحار في أميركا زادت بنسبة 33% بين 1999 و2019. ونسبة الأميركيين الذين يقولون إنه ليس لديهم أصدقاء مقربون ارتفعت أربعة أمثال منذ 1990، وفقا لـ «مركز مسح الحياة الأميركية». وتحدث 54% في المئة من الأميركيين عن أنهم يشعرون أحيانا أو دائما بأن لا أحد يعرفهم جيدا، وفقا لمسح أجرته مؤسسة ايبسوس عام 2018. وأعترف بأنني لا أفهم ما يسبب هذا. لكن الألم والهشاشة الاجتماعيين يؤثران على كل شيء، على أسرنا ومدارسنا وسياستنا بل وعلى رياضتنا. 

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
Canonical URL: https://www.nytimes.com/2021/07/29/opinion/estranged-american-families.html