الانتخابات المقبلة لن تحدث تغييراً جذرياً بل وستكون مخرجاتها غير منسجمة تمام مع مطالب الشعب العراقي. د. طارق فهمي* تتوالى الانسحابات من الانتخابات العراقية، مع اقتراب موعد الاقتراع المقرر في العاشر من أكتوبر المقبل، لأسباب تتعلق بالتهديدات الأمنية، التي تواجه المرشحين، وسط دعوات لتكثيف الجهد الأمني، لتحسين ظروف إجراء الانتخابات، وجاء ذلك عقب سلسلة اغتيالات طالت عناصر في الاحتجاجات الشعبية، وأعضاء في تحالفات انتخابية.

ويمثل التنافس الراهن عنصراً ناظماً باتجاه الضغط على بعض المرشحين للانسحاب، من السباق الانتخابي، لصالح مرشحين آخرين، قريبين من تلك التوجهات، التي غالباً ما تتماشى مع رؤية قطاعات الرأي العام في بعض المناطق التي تشهد مثل تلك الانسحابات، ما يعني عدم وجود عائق من قبل الرأي العام بالتصويت للمرشح البديل عن الآخر المنسحب.

ودفعت تلك الأجواء تيارات سياسية إلى التهديد بمقاطعة الانتخابات، فيما أعلنت أخرى عزوفها عن الانتخابات. ورغم تحذير البعض من أن انسحاب القوى المطالبة بالتغيير سيفتح المجال أمام القوى ذاتها التي حكمت العراق منذ سنة 2003 والمسؤولة عن أوضاعه الراهنة للعودة إلى الحكم مجدداً، إلا أن أنصار مقاطعة الانتخابات يرون بأن المقاطعة أفضل من المشاركة، التي قد تصب في النهاية في مصلحة الأحزاب الكبيرة، وما يرتبط بها من فصائل مسلحة عبر التزوير والتهديد بالسلاح والإغراء بالمال الفاسد، وكانت القوات الأمنية العراقية أطلقت حملة واسعة لتأمين الانتخابات، وتستهدف في مراحلها الأولى، تقسيم المناطق وفق خطورتها، ومسح كامل للتهديدات المحتملة، ووضع الخطط اللازمة لمواجهتها.

على جانب آخر - ورغم إغلاق رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي باب التشكيك بتأجيل الانتخابات المزمع إجراؤها في أكتوبر - فإن المشهد لا يعكس ذلك. فتعقيدات المشهد الحالي تغذي فرص الذهاب نحو موعد ثالث للانتخابات، بل تتسرب دعوات من عناصر سياسية عن محاولات لقوى حزبية فاعلة، للدفع باتجاه ترحيل الانتخابات إلى العام المقبل. وقد جاء قرار مقاطعة مقتدى الصدر الذي يتزعم أكبر كتلة برلمانية سائرون، للانتخابات ومؤخراً الحزب الشيوعي، مفاجئاً للأوساط العامة والقوى السياسية، مما فتح باب الاحتمالات إذا ما كان الأمر لتشجيع الدعوات من بعض القوى الساعية لتأجيل الانتخابات، وأن انسحاب «الصدر» من العملية الانتخابية قد زاد الوضع سوءاً، وخصوصاً أن الناخب يعاني مسبقاً من عدم الثقة تجاه العملية السياسية برمتها. وبالتالي فإن النتائج المترتبة من الانتخابات ستخرج بتركيبة جديدة مختلفة فاقدة للاستقرار، وسيفسح المجال أمام التيارات الأخرى التي تمتلك السلاح لملء الفراغ. 

في المجمل فإن المشهد العراقي يتسم بالتأزم والتعقيد، وكلما تقلصت المسافة باتجاه صناديق الاقتراع كلما اشتدت تداعيات الاستهداف والمواجهة التي تأتي تحت دوافع انتخابية، وهو ما يهدد بتصفية الانتخابات المقبلة من قيمتها، والمتوقع منها في تمثيل إرادة الجماهير، وكلما اقتربنا من موعد الاستحقاق كان وقع الأحداث والاستهداف أكبر كما أن الكثير من القوى السياسية المؤثرة في المشهد العراقي طوال العقدين الماضيين، فقدت الدعم والمساندة. ومن المنتظر ألا تؤدي الانتخابات إلى نتائج مماثلة لنتائج انتخابات عام 2018، واستمرار سيطرة الأحزاب المشاركة في الحكومة حالياً، مع بعض الاستثناءات وربما المفاجآت، فيما تحدثوا عن حظوظ رئيس الحكومة الحالية مصطفى الكاظمي في الحفاظ على منصبه لولاية جديدة. في ظل المؤشرات الموجودة حالياً، والتحركات المبكرة للقوى السياسية الحاكمة في البلاد، من المتصور، فإن الانتخابات المقبلة لن تحدث تغييراً جذرياً – إن تمت - بل وستكون مخرجاتها غير منسجمة تمام مع مطالب الشعب العراقي.

* أكاديمي متخصص في الشؤون الاستراتيجية والعلوم السياسية