توجد مجموعة معقدة من الحقائق والأنماط المستجدة التي تعمل على تغيير العالم إيجاباً أو سلباً، وتعمل دولة الإمارات من خلال سياستها الخارجية على فهمها بعمق والتعامل معها على نفس قدر أهميتها.

ومع وجود بحر من المشاكل الإقليمية والعالمية التي تحيط بالدولة، سواء على المستوى الخليجي أو العربي أو الجنوب آسيوي أو الإيراني، فإن الإمارات تواجه أعتى قضايا زعزعة السلام منذ قيامها، وهي تنعم حالياً على الصعيد الداخلي الممتد بهدوء سياسي واجتماعي، وتمر بنهضة اقتصادية، وتحظى بسمعة دولية مرموقة تتأتى لها من خلال القوة الناعمة التي تملكها.

ومما لا شك فيه أن دولة الإمارات، قيادة وحكومة وشعباً تؤمن بعمق بأن عليها الوقوف صفاً واحداً وبصلابة لتحقيق الهدف الجوهري من السياسة الخارجية، وهو حماية دولة الإمارات العربية المتحدة وحفظ أمنها واستقرارها وصيانتها من جميع المخاطر المحيطة بها، ومن ثم العمل على بناء بيئة أو محيط إقليمي مسالم يرفرف عليه السلام والأمن والرخاء تتمكن في ظله الشعوب من العيش بسلام ووئام وتعاون مثمر بناء.

وفي سياق ذلك تدرك السياسة الخارجية للإمارات بأن عليها مواجهة أمرين رئيسيين هما: إبعاد شبح الحروب عن البلاد أياً كان مصدرها، وهو شأن دفاعي يحتاج إلى إمكانيات فنية وتحالفات وشراكات خارجية عالمية، وإلى القدرة على تحقيق سلام دائم وصلب لدولة الإمارات ولمنطقة الخليج العربي، وللجوار الجغرافي الأوسع، ومن ثم للعالم أجمع. أما الأمر الثاني، والذي يعتبر الأهم والأكثر صعوبة وخطورة، وهو تحقيق ملكة الردع ضد أي نمط من الاعتداءات الخارجية، سواء العسكرية أو السبرانية أو النفسية والدعائية.

إن الردع المتكامل لا يمكن تحقيقه عن طريق بناء القوة العسكرية وحدها أو الدخول في بناء تحالفات إقليمية وعالمية مع شركاء وحلفاء خارجيين، بل يحتاج إلى منظومة متكاملة من إجراءات الردع في عالم هو بطبيعته متغير في كل لحظة تمر بالبشرية.

ومنذ نشأتها قبل خمسين عاماً وإلى هذه اللحظة نجحت السياسة الخارجية للإمارات في مواجهة الأنماط والحقائق التي برزت أمامها بحكمة منقطعة النظير، وتعاملت معها بأساليب أبهرت العالم أجمع، ووضعتها في مصاف الدول الخلاقة والمبتكرة على صعيد السياسة الخارجية.

هذه الديناميكية الخلاقة أميل إلى تسميتها بـ «القوى المتحركة» في السياسة الخارجية. وهذه القوى المتحركة تعمل في اتجاهين متضادين أحدهما يعمل على إحلال السلام، وهو الذي اختارته دولة الإمارات لنفسها، والآخر يعمل على خلق المشاكل والقلاقل وإذكاء الحروب، وهو الذي عملت الإمارات على الابتعاد عنه، جملة وتفصيلاً منذ نشأتها.

إن هذه «القوى المتحركة» تعمل باستمرار ودون توقف وفي اتجاهات متعددة، رغم أن ذلك يحدث بدرجات متفاوتة وبأزلية بدأت مع بزوغ نجم دولة الإمارات ونهضتها الحالية عام 1971.

القوى المتحركة التي نشير إليها رغم إمكانية وضعها في تسلسل تراتبي يبدأ من موضوع ما وينتهي عند موضوع في ذيل القائمة، إلا أنها تشكل في تقديري كتلة مترابطة يتفاعل الواحد منها مع الآخر، ووضعها تراتيبياً لا يعني أهمية ما يوضع في رأس القائمة على ما يوضع في ذيلها، لهذه الأنماط والحقائق التي أسميناها بـ «القوى المتحركة»، هي جميعها مهمة، وربما تكون على درجة واحدة من الأهمية، لأن لكل منها تأثيره الخاص على ما يدور من أحداث تتعامل معها السياسة الخارجية التي تنتهجها الدولة التي أثبتت قدرتها على التعامل بنجاح مع كل أمر يمر بها. وبالتأكيد أن الأنماط والحقائق التي سنسطرها في هذا المقام كمواضيع للنقاش لا يمكن تغطيتها بالتفصيل في مقالة واحدة، لكنها تحتاج إلى مساحة أوسع وسنحاول التطرق لها .

ومن المهم الإشارة السريعة إلى أن دولة الإمارات متمكنة حتى الآن من التعامل مع «القوى المتحركة» الماثلة أمامها في سياستها الخارجية بأريحية تامة مقدمة بذلك عوناً مشهوداً وإسهاماً سخياً لحل مشكلات ذات طبيعة إقليمية وعالمية من حيث منشأها وتأثيرها، وحلول ناجعة إقليمية وعالمية لكي يتم القضاء عليها. إن القوى المتحركة التي نقصدها هي على النحو التالي: العولمة المعاصرة، والقوى الاقتصادية، وقوى الحس الوطني والانتمائي العربي - الإسلامي والثقافي، والقوى العالمية الخفية ومردوداتها السلبية، وأوجه التسلح العسكري التقليدي والنووي والصاروخي والكيميائي، وامتلاك الطائرات المسيّرة العابرة للحدود، وأخيراً الرغبة في تحقيق السلام أو إذكاء الحروب، ولكل من هذه القوى تفاصيلها التي نعتبرها ذات شجون. وللحديث بقية

* كاتب إماراتي