باتفاق مجموعة «أوبك بلس» في اجتماعها الأخير على رفع خط الأساس لخمسة من أعضائها وتمديد الاتفاق حتى نهاية عام 2022، تكون المجموعة قد تجاوزت عقبة كبيرة ستساهم في استقرار أسواق النفط وإيجاد التوازن المطلوب بين العرض والطلب للمحافظة على معدلات أسعار عادلة فيما تبقى من العام الحالي والعام القادم، فأوبك بلس أضحت تلعب دور «القبان» الذي يضبط التوازن والذي من دونه قد يحدث خلل يؤدي إلى ميلان الأمور في اتجاه واحد لا تستقيم معه الأوضاع بصورة متوازنة.

لذلك يعتبر الاتفاق الأخير إنجازاً بكل المقاييس، فقد أرضى الدول التي لديها طاقة إنتاجية فائضة من خلال رفع خط إنتاجها الأساسي مع قبول بقية الدول التي لا تسعى إلى ذلك لعدم وجود طاقات إنتاجية فائضة لديها أو وجودها بشكل محدود.

وعليه ستزيد دول المجموعة الإنتاج بمقدار 400 ألف برميل يومياً كل شهر، اعتباراً من شهر أغسطس القادم، وحتى نهاية العام الجاري، حيث يمكن للأسواق استيعاب هذه الزيادة، وذلك بحكم الارتفاع المتوقع في الطلب. ومع ذلك، فإنه لا بد من أخذ بعض التطورات بعين الاعتبار، فالأوضاع الاقتصادية العالمية لا تزال هشة، وذلك بسبب الطفرات المستجدة لفيروس كوفيد-19، والتي انتشرت مؤخراً لتفرض إغلاقات جديدة لبعض الاقتصاديات الرئيسية، وبالأخص في أوروبا، والتي تعاني انقساماً داخل مجتمعاتها بين مؤيد لأخذ اللقاحات ومعارض له، إذ أن أي إغلاقات لمدد طويلة يمكن أن تؤثر في مستويات الطلب على النفط.

ونظراً لحالة الغموض التي تحيط بمدى انتشار الوباء في الفترة القادمة، فإن ذلك أوجد بعض المخاوف الخاصة بالأسعار، مما حدا ببنك «جولدمان ساكس» لخفض توقعاته لسعر البرميل للفترة القادمة من 80 دولاراً إلى 75 دولاراً للبرميل.

هناك جانب آخر ربما يعتبر إيجابياً، وهو أن مجموعة من الدول الرئيسية المستهلكة للنفط، وبالأخص الولايات المتحدة استخدمت جزءاً من مخزوناتها في الآونة الأخير للتأثير باتجاه خفض الأسعار، وبالأخص بعد أن لامس سعر برميل برنت 78 دولاراً، مما يعني أنها ستضطر إلى إعادة تعبئة مخزونها قبل فصل الشتاء لتجنب أي نقص قد يحدث في فصل تشتد الحاجة فيه لمصادر الطاقة.

والحال، فإن هذه العوامل المتأرجحة تشكل أرضية خصبة للمضاربين، لذلك حدثت تذبذبات كبيرة للسعر بين 68-78 دولاراً في فترة زمنية قصيرة لم تتعد شهراً واحداً، وذلك قبل أن تستقر فوق 70 دولاراً للبرميل بعد اتفاق (أوبك بلس)، تلك التذبذبات التي ستستمر للأشهر الخمسة المتبقية من العام الحالي، ولكنها بصورة أقل حدة من تلك التي حدثت في شهر يوليو الجاري، حيث يشكل الاتفاق الأخير ضمانة قوية لاستقرار الأسعار عند معدلات تقترب أو تتجاوز قليلاً 70 دولاراً للبرميل، وهو سعر مريح للبلدان المنتجة للنفط ويلبي معظم أحتياجاتها التمويلية، وذلك في حالة استقرار الأوضاع الاقتصادية العالمية وعدم تمدد كوفيد-19 بصورة كبيرة.

بالإضافة إلى ذلك، هناك عوامل أخرى قد تؤثر في مستويات الأسعار وتستغل من قبل المضاربين مؤقتاً، كعودة صادرات النفط الإيرانية والتي تبدو مستبعدة في الوقت الحالي، علماً بأن (أوبك بلس)، قد أخذت ذلك بعين الاعتبار، كما أن هناك إمكانيات لانخفاض إنتاج النفط الصخري الأميركي، وهو ما سيساهم في نقص العرض بمقدار 1-1.5 مليون برميل عند نهاية العام إذا استمر الانتعاش الاقتصادي دون عوائق تتعلق بالجائحة. تشير هذه التطورات والتوقعات المرتقبة إلى أهمية «قبان» (أوبك بلس)، إذ أن بدونه كادت الأسعار أن تنهار، كما أنها قد تكون مهددة بالانهيار في حالة غيابه، مما يتطلب من أعضاء المجموعة المحافظة على اتفاقاتها والوصول دائماً إلى حلول وسط، كالتي اعتمدت مؤخراً، بهدف استقرار أسواق النفط العالمية والحصول على أسعار عادلة توفر السيولة اللازمة لتمويل نفقات الموازنات الحكومية، بما فيها النفقات الاستثمارية التي تساهم في تنويع مصادر الدخل الوطني.

* خبير ومستشار اقتصادي