هل كان انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان قبل شهرين، هو تحوّل دفة الأولويات الأميركية بإصلاح نحو المحيطين الهندي والهادئ، والتركيز على أولوية السياسة الخارجية الأولى لواشنطن: الصين؟ الرئيس الأميركي جادل بأن إنهاء التدخل العسكري في أفغانستان سيسمح لأميركا بإعادة توجيه طاقاتها نحو تحديات جديدة أكثر إلحاحاً، وتحرير الموارد العسكرية المقيدة حالياً في أفغانستان، ما يسمح بإعادة نشرها في مسرح المحيطين الهندي والهادئ، وإطلاق العنان لمليارات الدولارات المخصصة للتواجد في أفغانستان بشكل أفضل لتمويل المبادرات التي تعزز مكانة أميركا في منافستها مع الصين.
وبالمقابل ترك «القاعدة» تكتسب قوة في أفغانستان، بينما تواصل العمل مع «طالبان» تحت حماية «طالبان»، وعودة أفغانستان لتكون مجدداً ملاذاً للإرهابيين، حيث لا يزال جزء كبير من قيادة «القاعدة» متمركزاً حول الحدود الأفغانية الباكستانية، وهو تهديد لباكستان والهند والصين من حيث البعد الجغرافي أو المصالح الاقتصادية والخطط الكبرى لعالمية النموذج الصيني، وتهديد التسلل المدبر لعناصر«القاعدة» للهند لتشكيل القاعدة فرع الهند.
فعدم الاستقرار والحرب الأهلية هما السيناريو القادم في أفغانستان، وبينما الجيش الأفغاني تقوم استراتيجيته الحربية ضد «طالبان» لتركيز القوات حول المناطق الأكثر أهمية، مثل كابول والمدن الأخرى والمعابر الحدودية والبنية التحتية الحيوية، إلا أنها استراتيجية محفوفة بالمخاطر سياسياً، وستتخلى الحكومة بالتالي حتماً عن أراض واسعة لـ«طالبان» والأطراف التي ستتحالف معها أو ضدها مع مرور الوقت، حيث تسيطر «طالبان» على أكثر من نصف مراكز المقاطعات في أفغانستان، وتمارس «طالبان» كذلك ضغوطاً على ضواحي نصف عواصم المقاطعات في محاولة لعزلها ومقابل هذا الوضع المعقد هل ستغيّر الصين استراتيجيتها في أفغانستان؟
وهناك دول في المنطقة تعمل على تكييف استراتيجياتها الخاصة للاستفادة من فراغ السلطة الناتج عن الانسحاب الأميركي.وبكين تستعد لهذا السيناريو، وتقوم بالتوعية وتحسين العلاقات بشكل مطرد مع مختلف الجهات الأفغانية، بما في ذلك «طالبان»، تحسباً لهذه الحتمية، ولتأمين مصالحها السياسية والأمنية والاقتصادية، حيث روّجت الصين لـ«مبادرة الحزام والطريق» (BRI)، وتعزيز التعاون مع باكستان من خلال الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان، المعروف بـ (CPEC)، بما في ذلك الاستثمار في ميناء جوادر. وتنظر الصين إلى «مبادرة الحزام والطريق» على أنها حل لكل من عدم الاستقرار وضعف التنمية، بحجة أنه من خلال ربط أفغانستان بالموانئ البحرية الباكستانية، فإنها ستساعد في نهوض أفغانستان، وتوفر فرصاً اقتصادية جديدة. 
كما يسعى مشروع ممول من الصين بالقرب من كابول إلى إنشاء أحد أكبر مناجم النحاس في العالم. للصين عدد لا يحصى من المصالح الاقتصادية الأخرى في أفغانستان، وهي مشروعات يمكن أن تخرج عن مسارها بسبب تصاعد العنف الذي يمتد إلى الدول المجاورة، علاوة على ذلك، فإنها تراقب تأثير الأحداث في أفغانستان على إيران وأوزبكستان وتركمانستان وطاجيكستان، وربط ذلك بالمصالح الروسية والأمن القومي الروسي. ويكفي أن نذكر أهمية معدن الليثيوم للصين، وما علاقة ذلك بشركة هاواوي الصينية، بينما التزمت شركتان صينيتان باستثمار 4 مليارات دولار في منجم أيناك للنحاس الضخم، جنوب كابول، والإشارة هنا إلى رواسب الليثيوم وهي التي تحظى باهتمام استراتيجي. كما توجد تقارير عن رواسب ضخمة من البوتاس في السنوات القليلة الماضية.
وقد ازداد الطلب على الليثيوم، جنباً إلى جنب مع نمو تقنية بطاريات «الليثيوم أيون» في الهواتف المحمولة، والمساعدين الرقميين الشخصيين، وأجهزة الكمبيوتر المحمولة، ومؤخراً، المركبات الكهربائية والبطاريات التي يمكن توصيلها بأنظمة تعمل بالطاقة الشمسية. قد تشهد الصين، التي تسعى إلى وضع نفسها كالمركز الأكبر البديل لكبرى شركات تصنيع السيارات والألواح الشمسية التي تعمل بالطاقة الكهربائية، وستعطل معظم خططها وتفقد ورقة ضغط جيوستراتيجية حيوية على دول الإقليم إذا ما اندلعت حرب أهلية أخرى في أفغانستان، وهنا نتساءل إذا ما كان الانسحاب الأميركي نوعاً من الردع الاستراتيجي غير المباشر أم لا؟