يبدو أن مصطلح خفض التصعيد الذي أعلنته موسكو ووافقت عليه تركيا وإيران وشمل أربعة مناطق محددة في سوريا، جاء التفافاً على نص واضح في القرار 2254 يقضي بوقف إطلاق النار وفك الحصار، وكان تهرباً من الحاجة القانونية إلى موافقة مجلس الأمن في حال إعلان مناطق آمنة، وقد غضت الأمم المتحدة الطرف عن هذا التهرب بحجة أن إعلان (مناطق آمنة) في البوسنة سبق أن فشل في سربنيتشا، حيث حدثت مجزرة قتل فيها ثمانية آلاف مسلم دون أن تتدخل القوات الأممية التي اكتفت يومها بالتفرج على أشلاء الضحايا.
ونذكر حالة الاضطراب والتردد التي أظهرتها الأمم المتحدة مع الجولات الأولى في آستانا، لكنها قبلت بها بديلاً عن حالة العجز الدولي عن متابعة مسار جنيف أمام رفض الطرف الحكومي متابعة المفاوضات، معتبرة أن القضية السورية هي الإرهاب فقط، مع رفض مطلق لأية مفاوضات تتعلق بجوهر القرار الدولي.

 وكنا نجد أننا ندور في كل المحادثات في جنيف حول ما سمي (مرحلة ما قبل التفاوض)، حيث ينص القرار على أن تتم مرحلة بناء الثقة بإجراءات فورية هي وقف إطلاق النار والتحضير لانتخابات نزيهة خلال 18 شهراً من تاريخه عبر دستور جديد، وتحقيق انتقال سياسي بإشراف الأمم المتحدة.
وكنا ندرك أن هدف التنظيمات الإرهابية سراً وعلانية اختصار القضية بمحاربة «داعش» و«النصرة» وأمثالهما، وغض الطرف عن ميليشيات ايران الإرهابية، بينما ملايين السوريين ينتظرون حلاً دولياً لمعاناتهم تحت القصف والحصار، وقيل إن الروس يرون أخذ الملف العسكري وكل ما يسمى إجراءت ما قبل التفاوض بعيداً عن مسار جنيف كي تستمر مباحثات جنيف في الشأن السياسي فقط.
وكنا ندرك أن هذا المقترح خطير على مسار جنيف لأنه يخرج القضية من تحت مظلة الأمم المتحدة.
وتوالت لقاءات آستانا، واخترع مصطلح (خفض الصعيد) في الجولة الرابعة، وبدأ مسار المصالحات (القسرية) ومن رفضها من المعارضين يتم تهجيره قسرياً، واكتظت مناطق الشمال السوري بالمهجرين، وتم إهمال المفاوضات في جنيف، وتهميش دور الأمم المتحدة، وبدأت الدول الضامنة بوضع حدود فاصلة بين مناطق النفوذ، وهي آليات خطيرة في عمقها، رغم كونها توفر ممرات تواصل، لكنها تباشرُ تقسيما غير معلن، ورغم أن لقاء سوتشي (وهو متابعة لمسار آستانة، لم يشارك به (الائتلاف) إلا أنه قبل بمخرجاته، وأظن أنه كان مرغماً بضغط دولي، وجاء تعثر تشكيل (اللجنة الدستورية) وفشل اجتماعاتها الأولى، منحة لكسب الوقت لصالحه، والمفجع أن هذه اللجنة باتت هي المؤسسة الوحيدة التي يحاول المجتمع الدولي أن يبث فيها الحياة رغم احتضارها.
ولم تعد الدول الضامنة قادرة على تقديم مسوغات لكل اتفاقيات آستانة وسوتشي، وصارت القضية السورية امام فراغ سياسي، ولا سيما أن لقاء بوتين وبايدن لم ينتج عنه إجراء عملي أو رؤية واضحة لآليات التنفيذ للقرار 2254 الذي أوشك أن يفقد جوهره، .
وعلى افتراض أن القضية استكانت لحالة السبات الراهن، وقبل المهجرون ببقاء الحال على قسوته، وقبل المشردون بالاندماج الكامل في المجتمعات المضيفة، فإن القضية السورية ستبقى معلقة، لكن المأساة السورية ستتفاقم في الداخل السوري مع تمزق البلاد ومع حالة الفقر المريعة والانهيار الاقتصادي.