تحتل العلاقة بين التعليم العالي والتعليم المهني مكانة مهمة واستراتيجية في العديد من دول العالم التي تولي مخرجات التعليم وتأثيرها على مدخلات ومتطلبات سوق العمل تركيزاً كبيراً، وذلك لعدة عوامل جوهرية. أولاً، هناك دول تؤمن بأن التعليم العالي والتعليم المهني له أهمية في التخطيط الاستراتيجي الخاص بالاستفادة من القوى البشرية الوطنية في خطط وبرامج التنمية. ثانياً، تقوم بعض الدول بإجراء الدراسات العلمية الدورية لاحتياجات سوق العمل في كافة القطاعات، وبالتالي تحديد نوعية المخرجات التعليمية المطلوبة، سواء من مؤسسات التعليم العالي أو نظيرتها في التعليم المهني، ومن ثم توعية تلك المؤسسات التعليمية باحتياجات سوق العمل من خلال التقارير الإحصائية الرسمية الدورية الخاصة بتطورات سوق العمل.
ثالثاً، ينتشر بين شعوب غالبية تلك الدول وعي كبير بين الأفراد حول أهمية تحديد المسار التعليمي، سواء العالي أو المهني، وذلك من أجل دخول القطاع المناسب والذي يحددونه سلفاً في سوق العمل.
رابعاً، قامت العديد من تلك الدول بتأسيس «إطار» أو «نظام» وطني يُحدد أسس ومعايير الاعتراف واعتماد مخرجات التعليم المهني بنظيرتها في التعليم العالي، وبالتالي يستطيع الأفراد هناك رسم مسارهم العلمي والعملي بسهولة.
خامسا، وأخيراً، يتمتع سوق العمل في تلك الدول بمرونة كبيرة في استيعاب مخرجات التعليم بشقيه العالي والمهني، وبالتالي قلما تنشأ تحديات أمام الخريجين لدخول قطاع العمل المناسب لهم.
والملاحظ أن تلك العوامل تختلف في تواجدها وتصنيفها وأهميتها من دولة لأخرى، ولكن بشكل عام تتركز في دول مثل الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وأستراليا وجنوب أفريقيا، الأمر الذي يساهم غالباً في تسخير مهارات وقدرات خريجي التعليم العالي والمهني بالشكل الصحيح في المهنة الصحيحة.
أما الوضع في دولة الإمارات العربية المتحدة، فيتصف بوجود تلك العوامل، ولكن بدرجات متفاوتة من القوة. فحكومة الإمارات لديها يقين راسخ بالأهمية الاستراتيجية للتعليم العالي والتعليم المهني للمواطن من أجل ضمان نجاح خطط وبرامج التنمية الشاملة التي تضعها على كافة المستويات، ولذلك تركز الحكومة منذ إنشاء الدولة على تطوير استراتيجيات التوطين التي ترتبط بقوة بمخرجات التعليم العالي والمهني. وقد نتج عن ذلك الاهتمام الرسمي تنامي الوعي الوطني، بمرور الأعوام، بأهمية قيام المواطن باتخاذ القرار المناسب لمستقبله العلمي، سواء بالالتحاق بمؤسسات التعليم العالي أو نظيرتها في التعليم المهني للحصول على الشهادة المناسبة لسوق العمل. ولقد أثمرت الجهود الحكومية مع انتشار الوعي بين المواطنين عن تأسيس المركز الوطني للمؤهلات ضمن وزارة التربية والتعليم، والذي يشرف على تطبيق آلية الربط بين مخرجات التعليم المهني ونظيرتها في التعليم العالي من خلال «الإطار الوطني للمؤهلات»، والذي يُعتبر النظام الأول من نوعه في العالم العربي الذي يؤطر العلاقة بين هذين النوعين من التعليم. كما يُعتبر سوق العمل في الإمارات من أكثر أسواق العمل في المنطقة مرونة وحيوية وقدرة على استيعاب مخرجات مراحل التعليم بكافة أنواعها.
وهنا يتضح لنا أن العامل الذي يحتاج إلى تركيز أكبر في المرحلة الحالية هو إجراء الدراسات الميدانية والبحوث العلمية المتخصصة وإصدار التقارير الإحصائية الدورية التي تساعد على تقوية وتطوير العلاقة بين سوق العمل ومخرجات التعليم، بشقيه العالي والمهني، وذلك لتحقيق هدفين رئيسيين: الأول استكمال كافة عوامل نجاح خطط التوطين وتوفير أفضل بيئة لإرشاد وتوعية المواطن بالمهنة التي يرغب العمل فيها وبالتالي اختيار قطاع التعليم المناسب له. والهدف الثاني: تطوير العلاقة بين سوق العمل والتعليم العالي والمهني على أسس علمية وحديثة.