في بداية يوليو الجاري، نشر موقع «بوليتكو» للأخبار والتحليلات السياسية أن رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي «جيروم باول» سيُجري نقله إلى منصب آخر. وبعد أسبوعين، يبدو أن الأمر أقل احتداماً. وذكرت منافذ إعلامية كبيرة أن الرئيس جو بايدن يفكر في احتمال تنصيب رئيس جديد حين تنتهي فترة ولاية «باول» الحالية في فبراير المقبل، وربما يميل إلى هذا النحو.

ومن المفهوم أن يرغب «بايدن» في اختيار الشخص الذي يتولى أعلى منصب لصناعة القرار الاقتصادي، و«الديمقراطيون» يفضلون شخصاً أكثر تحمساً من «باول» للتنظيم المالي، لكن استبدال آخر بباول قد يكون الدعوة الخطأ في الوقت الخطأ.

وهذا لا يعني أن فترة ولاية «باول» كانت مثالية. فقد رفع «باول» أسعار الفائدة كثيراً وبسرعة شديدة في الأعوام الأولى له في المنصب كجزء من دورة بالغ فيها الاحتياط الفيدرالي في تقدير الموقف المحايد للاحتياط الفيدرالي من سعر الفائدة، وقلل من تقدير المدى الذي قد يبلغه معدل التوظيف المرتفع دون التسبب في تضخم. ونتيجة لهذا أطلق الرئيس السابق دونالد ترامب الذي عين «باول» في منصبه الحالي عليه عدو أميركا. وأداء باول يبدو قويا للغاية رغم هذا عند مقارنته برؤساء البنوك المركزية الآخرين.

ففي ظل سابقيه الثلاثة، ساعد الاحتياط الفيدرالي أولاً في تحقيق انتعاش في سوق الائتمان عبر سياسة للتيسير النقدي، ثم ساعد في إطلاق انهيار مالي وركود عميق بسياسة نقدية انكماشية وأخيراً، اتبعوا سياسات أضعفت التعافي. على عكس هذا، قدم باول الدعم الذي تطلبه الاقتصاد حين تعامل، في عام 2020، مع أزمة لم يخلقها الاحتياط الفيدرالي، وهي الجائحة والإغلاق الاقتصادي.

والتقليص في سعر الفائدة والتيسير الكمي والتعهد بمواصلة هذه السياسات حسبما تقتضي الضرورة ساعد في تقييد الضرر الذي ألم بمستويات الإنفاق الاجمالية. وبالنسبة للربع الأول من عام 2021، بلغ العجز في الإنفاق 2.4% فقط مقارنة بالتوقعات. وعلى النقيض، اضطر البنك المركزي الأوروبي للحاق بالنموذج الأميركي، وهو يحاول الآن رفع المستوى المستهدف من التضخم في إقرار مضمر بأنه لم يكن كافيا لتحقيق التحفيز الاقتصادي. لكن سياسات «باول» أدت إلى رد فعل عكسي.

صحيح أن التضخم يرتفع، لكن سياسات «باول» ليست مسؤولة إلا عن قسط من هذا الارتفاع. فقد ساهمت عراقيل الإمداد المتعلقة بالجائحة أيضاً في هذا، كما أن إحصاءات التضخم يجري الصعود بها بشكل مصطنع بمقارنتها بظروف عام مضى، حين كان الاقتصاد خاضعاً لإغلاق أكبر. ولأننا في عصر التضخم المنخفض، فالأرقام تجد طريقها إلى العناوين الصحفية الرئيسية لتعلن أعلى تضخم في عقود.

وإذا تحلينا بالتفاؤل، ستبدو التوجهات أفضل مع حلول نهاية العام مع زيادة قوة سلاسل الإمداد وبعد مضي وقت أطول على نهاية الإغلاق. وفي حالة التشاؤم، يتوقع أن يؤدي الاضطراب الحالي إلى توقعات مزعزعة للاستقرار بشأن التضخم في المستقبل، مما قد يجعلها تتحقق من تلقاء نفسها. وإذا رشح بايدن بديلاً لـ«باول» هذا الصيف، فإنه سيضيف عدم اليقين إلى السياسة النقدية في وقت بلغ فيه الجدل والخطر قمته على الأرجح.

صحيح أنه من المهم وضع اللوائح المصرفية الصحيحة لكنها ليست بأهمية السياسة النقدية، ودور الاحتياط الفيدرالي ليس بالأهمية نفسها في وضعها. وإذا كان هناك انكماش شديد في النقد، يستطيع الاحتياط الفيدرالي الضغط أكثر على نقاط ضعف الأسواق المالية، أو حتى خلق أزمات مالية.

وهذا ما حدث في الكساد الكبير (في ثلاثينيات القرن الماضي)، وبدرجة أقل في الركود الكبير قبل 12 عاما. وإلى جانب هذا، تنتهي قريبا فترة ولاية «راندال كوالز» في منصب نائب رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي للإشراف، وهذا المنصب يتحمل المسؤولية المباشرة عن اللوائح. وإحلال شخص آخر مكانة سيكون أقل تعطيلاً بكثير من التخلص من «باول». ومن شبه المؤكد أن يُفضل بايدن إبقاء السياسة النقدية كما هي تقريباً، وليس المغامرة بتضييق سابق لآوانه قد يبطئ النمو ويؤدي إلى ركود.

والتأثير السياسي السلبي لهذه السياسات سيكون أقل إذا ارتبطت برئيس للاحتياطي الفيدرالي عينه ترامب ولم يعينه بايدن. فالأمور المتعلقة بالاقتصاد الكبير والاعتبارات السياسية كلاهما يشير في الاتجاه نفسه. ولذا يجب على بايدن منح «باول» فترة ولاية أخرى، لأن اختيار شخص آخر قد يكون خطأ دون داع وباهظ التكلفة.

*زميل زائر في معهد أميركان انتربرايز.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»