تقول الحكاية الساخرة التي تداولها الناس تهكماً وإسقاطاً لتعرية وتعريف ووصف بعض الحالات العربية السلبية في المنطقة، والتي تفشت وأصبحت واقع حال بعض البلدان العربية، إن طالباً في أحد الأقطار العربية المضطربة المنكوبة بالاضطراب، والتي ابتليت ببعض أبنائها غير المسؤولين وغير الوطنيين، وغير المبالين بأحوال مجتمعهم مسلوب الإرادة ولا بمصير بلدانهم المتدهورة والمتردية أحوالها أصلاً..

تقول الحكاية إن الطالب سأل أستاذ اللغة العربية في الفصل، وكان يجلس على كومة من الأحجار لعدم وجود كرسي، ويستخدم مروحة يدوية لعدم وجود تكييف ولا كهرباء في الفصل المتهالك، والذي تخرج من ثقوب جدرانه بعض الحشرات والزواحف.. سأله: يا أستاذ، ماذا حل بنا؟ وما الذي جرى؟ ولماذا وصلنا إلى هذه المرحلة السيئة التعيسة وما يطبعها من يأس وحرمان وإهمال وضياع.. بعد أن كنا في مقدمة البلدان فيما مضى من الزمن، أي قبل هذه المرحلة المزرية المخجلة؟

قال الأستاذ الذكي لتلميذه المحبط اليائس: لا تستغرب يا بني، فعندنا تتحول الأخلاق إلى فعل ماض، والوحشية والإرهاب والتطرف والطائفية والقتل إلى فعل أمر، والسياسي إلى فاعل والشعب إلى مفعول به، والمال إلى مفعول لأجله، والفساد إلى صفة، والرواتب والمعاشات تصبح ممنوعة من الصرف، والضمير يغدو غائباً، والمصلحة مبتدأ، والوطنية خبر كان، والصدق منفي، والكذب توكيد، والانتهازية مفعول مطلق، والوظيفة أداة نصب، والموظف حرف جر، والخزينة اسم مجرور، والفقر حال الناس، والأوضاع ظرف، والحياة جامدة، والسرور مستثنى.. فلا تعجب عندها يا بني إن أصبح مستقبلنا مبنياً للمجهول، ونحن لا محل لنا من الإعراب! كلام مؤلم صادم، رغم بساطته وسلاسته، إلا أنه مؤثر ومحزن وسهل ممتنع، ينطبق على بعض الدول العربية التي انهارت وتراجعت وتمزقت وتلاشت مقدراتها، وأهدرت إمكاناتها وتهجّرت مجتمعاتها وانتكس مستواها العلمي والتعليمي والثقافي والاقتصادي.. هذا ما آلت إليه ظروف وتداعيات بعض العواصم العربية المدمَّرة، لكي تصل إلى مرحلة مفزعة من الخوف والهلع، وعدم الاستقرار وغياب الأمان وتفشي الفساد واستباحة البلاد وتهجير العباد!

لقد أصبحت الأوضاع في بعض هذه الدول حالياً أشبه بشريعة الغاب ومدن الأشباح، إذ تفتقد الأمن والأمان والاستقرار والتنمية وأبسط وسائل العيش الرغيد في بلاد كانت متطورة، وأصبحت اليوم في ذيل قائمة الدول المؤثرة، رغم مواردها الكثيرة الوفيرة وخيراتها المتعددة، ومياهها الغزيرة وأراضيها الشاسعة الصالحة للزراعة، لكن يفترشها قطّاع الطرق واللصوص ويسيطرون على ثرواتها الكثيرة غير المستغلة، لأن ساستها غير مبالين وغير قادرين على إدارة بلادهم واستغلال مواردها وخيراتها وخبرة أبنائها واستعادة واستثمار عقولها التي هاجرت.. فهم غير مدركين حجم وثروة بلدهم الذي كان غنياً ومتقدماً.

وبسبب عدم قدرة بعض الساسة على توفير الماء والكهرباء ورغيف الخبز لشعوبهم، أخذ بعض مواطنيهم ينفرون ويهربون بحثاً عن ملجأ وملاذ خارجي حتى في الدول الفقيرة التي كانت تتصدق عليها بلادهم فيما مضى من الزمن، قبل أن تنشب فيها أظافرها الفوضى والفقر وانعدام الخدمات وشح الموارد ونقص الأدوية وانعدام الصحة.. بعد أن عاث فيها الخراب والبطالة والفساد وفقدان الأمان!

*كاتب سعودي