في تقرير لافت بث على قناة «سكاي نيوز» البريطانية، أعدته مراسلة القناة من قلب كابول ومعقل قوات «طالبان» الجديدة، استعرضت خلاله أرتالاً من المعدات الثقيلة والسيارات والمتفجرات والأسلحة المختلفة التي تركتها القوات الأميركية عمداً بعد انسحابها من أفغانستان، لتستولي عليها قوات «طالبان» وتتفاخر بعرضها أمام شاشات التلفزة كانتصار محقق بعد سنوات طويلة من الحرب والحصار في الجبال والكهوف!
 «الوقت قد حان لإنهاء أطول حرب خاضتها الولايات المتحدة الأميركية» هكذا أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن في الرابع عشر من أبريل الماضي، إنهاء الحرب في أفغانستان، ليبدأ الانسحاب الفعلي للقوات الأميركية في الأول من مايو، أي بعد مرور أقل من شهر على الإعلان الأميركي، ليُنهي بأيامٍ معدودة حرباً استمرت عشرين عاماً، قامت على خلفية هجمات 11سبتمبر الشهيرة، وكلفت نحو تريليون دولار، وأكثر من 2000 قتيل و20 ألف مصاب، لتبدأ الأحداث في أفغانستان بعد هذا الانسحاب بالتغير بتتابع سريع لتصعد حركة «طالبان» وتبسط سلطتها على مساحات واسعة في الداخل الأفغاني، وعلى معابر حدودية مع إيران وطاجكستان وتركمانستان وتتغلغل في مناطق شمال البلاد التي لم تكن تخضع في الأصل لسلطتها قبل الإطاحة بحكم «طالبان» عام 2001 على يد التحالف الدولي الذي قادته الولايات المتحدة وشاركت فيه عدة دول. 
وقد ذكر الرئيس بايدن جملة غاية في الأهمية خلال خطابه، وهي أن هذه الحرب باتت مكلفة وبلا أي عائد سياسي في الوقت الذي يجب فيه التركيز على أجزاء أخرى في الشرق الأوسط وتشكل أهمية استراتيجية لأميركا. هذا التصريح باختصار يعكس انتهاء الدور الأميركي في أفغانستان، الذي بدأ في (مرحلته الأولى) منذ الثمانينات الميلادية وقبل تفجيرات 11 سبتمبر بكثير، أي  إبان الحرب الباردة بين أميركا والاتحاد السوفييتي آنذاك.

والكرة الآن في الملعب الروسي الذي يعد هو المتضرر الأول والمباشر من هذه الخطوة الأميركية، تليها دول الشرق الأوسط وبالأخص المنطقة العربية التي لم تكاد تتنفس الصعداء بعد تحجيم تنظيم «الإخوان» والتنظيمات الإرهابية الأخرى التي بلا شك ستجد في محضن «طالبان» ملاذاً آمناً لانتعاشها مجدداً بالأخص تنظيم «القاعدة»، الذي تربطه بحركة «طالبان» روابط مصيرية وفكرية قوية، أي أن هيمنة «طالبان» على الحكم في أفغانستان، تعني تنامي الحركات الأصولية مجدداً والدعم التام للإرهاب في المنطقة رغم تأكيدات الرموز السياسية في «طالبان» خلاف ذلك، إلا أن الواقع يشي بالكثير خصوصاً بعد انتشار تقارير وأخبار عن «طالبان» بإلزام الناس على ارتداء العمائم وإطالة اللحى، ومنع فتيات الصفوف الأعلى من الصف السادس من سن 11 إلى 12 سنة من العودة إلى فصول الدراسة، فضلاً عن منع النساء من العمل والخروج دون محرم وإقرار عقوبتي الجلد ورجم النساء.

وقد نُسب بيان إلى حركة «طالبان» قبل أيام، وتم تداوله بشكل موسع على مواقع التواصل الاجتماعي، يأمر القرويين بتزويج بناتهم أو أراملهم لمقاتلي الحركة.

وهذه الإجراءات وغيرها تعيد إلى الأذهان جزءاً مما كانت تمارسه حركة «طالبان» في السابق من فهم متشدد للشريعة الإسلامية، تضييق الحياة الاجتماعية بمنع الترفية وحظر الموسيقى، وعزل المرأة وقطع أيدي اللصوص، والإعدامات في الميادين، والكثير من الممارسات اللاإنسانية البشعة!
 
أخيراً.. حري بنا ألا ننسى أو نتجاهل أن هذه المرحلة الزمنية التي نعيشها بالغة الحساسية والأهمية، حيث يتصدر فيها اليسار الغربي زمام القرارالعالمي والدولي الداعم والمؤجج لأي حراك تثويري تخريبي على مستوى منطقتنا العربية لاستكمال المشروع التدميري المسمى «بالربيع العربي»، حتى ولو كان من خلال عمائم الإرهاب، الذي احتضن وغذى «القاعدة» لعقود، أو من خلال صناعة كيانات إرهابية جديدة لا تقل خطراً عن «داعش» و«القاعدة» والتنظيم «الإخواني»!


* كاتبة سعودية