أعلنت الحكومة العراقية عن اعتقال أحد مرتكبي عملية اغتيال الكاتب المعروف هشام الهاشمي، ومنفذ الاغتيال ضابط في وزارة الداخلية يعمل لصالح جهةٍ ما لم يتم الإعلان عنها ربما لظروفٍ سياسية وأمنية دقيقةٍ، وعدم الإعلان عن تلك الجهة ربما أوحى بضعف في موقف الحكومة، ولكنه أبداً لا يقلل من حجم المنجز الذي تم تحقيقه.
بعض الدول العربية تعاني من استعمارٍ شبه معلنٍ، وتغلغل في مؤسساتها وهيئاتها وأجهزتها الرسمية، يحدث هذا في العراق ولبنان وسوريا واليمن، تمّ ذلك كله عبر استراتيجية ثابتة من عناصرها المهمة صناعة الميليشيات الموالية للدولة المستعمرة والاستفادة من التنظيمات والجماعات القائمة، بغض النظر عن المذهب أو الطائفة ما دامت تخدم أهداف وغايات المستعمر الجديد.
«توحش الأقليات» هو أحد عناصر هذه الاستراتيجية الخطرة، وذلك عبر تحويل هذه الأقليات من أقليات مسالمة طوال تاريخها إلى أقليات شرسةٍ متوحشةٍ تمارس كل أعمال العنف والدموية والقتل والتدمير كما يليق بعدوٍ كاشحٍ لا يرقب في وطنه أو مواطنيه إلاًّ ولا ذمةً، وهو مستوى من الخيانة والعمالة قلّما تطيقه النفوس البشرية السوية، غير أن ذلك تمّ على مراحل مدروسة.
تبدأ القصة بالضخ الأيديولوجي المكثّف على مستويات متعددة دينياً وطائفياً ومذهبياً تضمن انسلاخ هؤلاء الأتباع من هويتهم ووطنهم وتجعلهم سلاحاً في يد المستعمر الجديد، وتخلق حالة عداء مستحكمة مع مكونات الشعب الأخرى تجعلهم يستبيحون كل المحرمات الدينية والإنسانية في سبيل استهداف أهلهم ومواطنيهم ومصالح أوطانهم دون أن يرف لهم جفنٌ أو يتحرك فيهم ضمير.
هذه الميليشيات وهؤلاء الأتباع مفيدون جداً لأي مستعمرٍ ومحتلٍ فهم يعرفون بلدانهم وشعوبهم جيداً، وبالتالي هم أقدر على رصد نقاط الضعف الكبرى والمؤثرة في هذه الدول والمجتمعات، وبالتالي يرفعونها للمستعمر فيأتي التوجيه الصارم بالاستهداف المباشر، وهم رهن الإشارة لتنفيذ أعتى الجرائم وإلحاق أشنع الأضرار بأوطانهم وعائلاتهم وأهلهم.
الصحة والكهرباء، أمران مهمان في حياة البشر، ولا تقوم لأي دولة أو شعبٍ قائمة إلا بتوفر هذين الأمرين والتميز فيهما، ومن هنا فاستهداف قطاعات الصحة والكهرباء المنظّم والمستمر والمتواصل هو عملٌ استراتيجي مقصود وليس مجرد عمليات إرهابية عشوائية، فضرب مستشفيات العراق ومولدات وخطوط إمداد الكهرباء فيه يأتي ضمن استراتيجية ثابتة لإضعاف الدولة العراقية وإفشال الحكومة العراقية ورئيس مجلس الوزراء وقطع أي أملٍ للشعب العراقي في الانعتاق من هذا الاستعمار والاحتلال.
في لبنان تعمل نفس الاستراتيجية وإن بعملاء يحملون أسماء أخرى ولكنهم ينفذون نفس الغاية، فالمجال الصحي مضروبٌ ومهملٌ والنفايات تملأ الشوارع والأحياء والمستشفيات عاجزة ومنهارةٌ وحليب الأطفال شبه منقطعٍ والحالة يرثى لها بكل المقاييس، فهم يمارسون القتل البطيء ولكن أكيد المفعول، في الكهرباء والطاقة كما في الصحة والتغذية، والدولة هناك فاشلةٌ وغائبةٌ ولم يعد لها قيمة.
في اليمن، الميليشيات «الحوثية» هناك تجاوزت ذلك كله بارتكاب جرائم حرب في حق الشعب بشكل ثابتٍ ومستمرٍ وممنهج، وفي سوريا تعمل الميليشيات المتوحشة كل شيء لضرب الدولة والشعب السوري والأخبار والقصص التي تخرج من هناك توثق هذا كله.

أخيراً، فهذه الميليشيات في كل هذه الدول تقوم بكل ما تستطيع لتثبيت أقدامها داخل هذه الدول وإثبات أنها جاءت لتبقى طويلاً في المستقبل، فالمعسكرات والقواعد العسكرية تبنى ويحظر على الدولة وأجهزتها الدخول إليها أو معرفة ما يدار فيها والمانع الأكبر دون إعلان الاحتلال الصريح هو وجود قوى دولية أو إقليمية تعرف خطر هذه الميليشيات جيداً، كأميركا في العراق وروسيا في سوريا وإسرائيل على الحدود القريبة.