عندما يتحدث المرء عن شخص أو جهة أو موضوع ينتمي إليه، وله في نفسه معزّة خاصة، يقال عن ذلك الحديث بأنه «شهادة مجروحة»، خاصة إذا كان الأمر يتعلَّق بالإنجازات والجوانب الإيجابية، وهذا هو وضعي وموقفي من السياسة الخارجية لدولة الإمارات العربية المتحدة التي عشت في أحضانها، وترددت عليها وتعاملت معها وعملت فيها وقمت بتدريسها منذ عام 1977.

وحديثي عنها يعتبر شهادة مجروحة، لكن ذلك لا يغير من الأمر شيئاً، فالحديث عن الحقائق والإنجازات التي اتسمت بها السياسة الخارجية للإمارات تبقى ثابتة ومؤكدة، وإن كان المتحدث هو أحد أبنائها ومسهم فيها، كبر ذلك الإسهام أم صغر. إن حديثي عن إنجازات السياسة الخارجية للإمارات يمتد إلى عمق الفترة التي بدأت تتبلور فيها تلك السياسة.

وخلال مسيرتها منذ تأسيس الدولة في الثاني من ديسمبر 1971 مرت تلك السياسة بمراحل تطور سريعة ومتواترة أفصحت عن ملامح جعلت منها سياسة ناجحة وراسخة خدمت مصالح الدولة ذاتها، وأسهمت في خدمة مصالح الأمة العربية والإسلامية وخدمة البشرية جمعاء.

وفي الوقت الذي دشنت فيه السياسة الخارجية أول الأمر عند قيام الدولة الاتحادية طرحت مجالات جغرافية سميت بالدوائر الأربع، وهي متداخلة ومتدرجة ومتقاطعة بدأت بدائرة الخليج العربي لتضم الدول العربية المطلة على الخليج العربي، بما في ذلك دولتا العراق واليمن آنذاك بشطريه الجنوبي والشمالي، ثم دائرة العالم العربي التي تضم الدول العربية من الخليج العربي إلى المحيط الأطلسي، بما في ذلك دول شرق أفريقيا التي انضمت إلى جامعة الدول العربية، فالدائرة الإسلامية، ودول عدم الانحياز بمفاهيمه التقليدية التي أُرسيت في مؤتمرباندونج عام 1952، وأخيراً الدائرة العالمية التي ضمت جميع دول العالم من خلال عضويتها في هيئة الأمم المتحدة.

وبتلك الطريقة المبتكرة كانت الدولة الوليدة تسعى إلى ترسيخ وجودها العالمي مستمدة سياستها الخارجية من طبيعة تشكلها الاتحادي الجديد وتاريخها الحديث ومكونات قوتها الناعمة المرتكزة على مقوماتها الاقتصادية الوفيرة. وبالتأكيد أن تلك المقومات هي انعكاس لما يسمى في علم السياسة والعلاقات الدولية بالمقومات الداخلية للسياسة الخارجية، والاهتمام الأكبر كان بمنطقة الخليج العربي، حيث يشكل المحيط الإقليمي القريب عنصراً أساسياً في سعي الدولة الاتحادية نحو إقامة علاقات طبيعية مع جيرانها القريبين جداً، خاصة المملكة العربية السعودية وإيران، رغم ما كانت تمر به المنطقة من إرهاصات في تلك الفترة.

كان التركيز كبيراً على التعاون مع دول الخليج العربي في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية والتعليمية والصحية، لأن الدولة الاتحادية، كانت في طور البناء المبكر، وكانت تحتاج إلى الاستعانة بما لدى الأشقاء الخليجيين من خبرة سابقة في هذه المجالات المهمة، خاصة دولة الكويت والمملكة العربية السعودية.

لقد شمل التعاون الوثيق مع دول الخليج العربي مجالات واسعة، طالت الجوانب التعليمية والصحية والثقافية والإعلامية التي دشّنت بها الدولة الوليدة خططها التنموية الرائدة، وشكلت اللبنات الأولى للنهضة الشاملة التي تشهدها في الوقت الحاضر. دولة الإمارات نجحت في ربط دورها وتوجهها العربي الخليجي بأدوارها وتطلعاتها العروبية الأعم والأوسع في العالم العربي، وتجلت تلك النظرة العروبية الواضحة والخالصة في أدوار رائدة قدمتها لكافة القضايا العربية المصيرية المرتبطة بالكفاح من أجل المحافظة على الحقوق العربية، والذود عنها ضد كل طامع ومغتصب.

وفي هذا السياق ربطت مواقفها ربطاً عضوياً بمواقف الدول العربية الأخرى، سواء من خلال العلاقات الثنائية بينها وبين كل دولة عربية على حدة، أو من خلال حضورها وإسهامها في جميع المؤتمرات والاجتماعات التي تضم الدول العربية كافة على جميع الصعد، وحول كافة القضايا المطروحة على الساحة العربية، أو من خلال إسهامها في جميع المشاريع التي تضطلع بها الجامعة العربية، أو من خلال جميع مؤتمرات القمة العربية التي عقدت منذ نشأتها، التي لم تتأخر في حضور أي منها، أو من خلال دعمها الاقتصادي والمالي والأدبي والمعنوي للدول العربية كافة، انطلاقاً من مبادئ ثابتة وراسخة في نظرتها إلى أشقائها العرب في كل مكان.

* كاتب إماراتي