انعقدت الخميس الماضي في الثامن من يوليو2021 جلسة مجلس الأمن التي خصصت لمناقشة قضية سد النهضة والعقبات التي تواجه المفاوضات بين دولتي المصب -مصر والسودان- من جهة وإثيوبيا من جهة أخرى. ومن خلال مداخلات الدول الأعضاء في مجلس الأمن يتبين أن القضية لم تناقش الجوانب الإنسانية والمخاطر الوجودية المحدقة بالمنطقة جراء السلوك الإثيوبي والتداعيات الجسيمة المرتقبة على نمط الحياة أهمها انخفاض منسوب مياه النهر، وبالتالي انخفاض المساحات الزراعية والتسبب في تعريض الأمن الغذائي والمائي إلى كوارث مستقبلية لملايين البشر في مصر والسودان.

من أبرز مهام مجلس الأمن - بافتراض حياديته- الإضطلاع بمسؤولية في احتواء المخاطر الدولية قبل حدوثها وحفظ الأمن والسلم الدولي والإقليمي في أي منطقة تتعرض لأي مخاطر، وبأي الأشكال والمستويات والتحرك استباقاً للحؤول دون أي تدهورات أو مخاطر.

ولكن الذي اتضح من خلال المداخلات في جلسة مجلس الأمن الأخيرة، أن الأمور لا تصب مطلقاً في صالح من التجأ للقنوات الدولية الرسمية للتحرك الاستباقي ووفقاً لميثاق الأمم المتحدة والقوانين الدولية الضامنة لحقوق الدول في الدفاع عن نفسها ومقدراتها ومكتسباتها الطبيعية التي حباها بها الله، دون المساس بهذه الحقوق بأي ذريعة كانت حتى لوكانت من أجل تأمين الطاقة الكهربائية لإحدى دول النهر الذي تتشارك فيه إحدى عشر دولة لها جميعاً حق الموافقة والرفض لأي نشاط من شأنه المساس بمياه النهر أو إقامة المشاريع الحيوية عليه بما يؤثر تأثيراً بليغاً على بقية هذه الدول، ناهيكم عن دولتي المصب اللتين تعتمدان اعتماداً كلياً على النهر في الري والزراعة والأمن المائي والغذائي، وأعني مصر والسودان.

فمهما كان التأييد من جانب بعض الأعضاء في مجلس الأمن للحق الإثيوبي في التنمية واستغلال المصادر الطبيعية لحل أزمات الكهرباء والاقتصاد، فإن ذلك يقابله حق المطالبة بحماية ملايين الشعوب على الجانب الآخر من الأضرار بعيدة المدى التي سوف يواجهونها جراء هذه المشاريع التنموية، والإشكاليات الفنية المتعلقة بإدارة السد وتشغيله وتعبئته.

وبالتالي لابد من الوصول إلى اتفاقات منطقية وضامنة ترضي الأطراف الثلاثة أولها أن تتخلى إثيوبيا عن فكرة السيادة الكاملة على نهر النيل كونه نهراً تتشارك به عدة دول وشعوب لن تقبل العيش تحت وطأة الجوع والعطش والجفاف مقابل طرف واحد في ذات المعادلة يطمح في التنمية! الملاحظ في خطابات أعضاء مجلس الأمن الخميس الماضي انحيازاً ضمنياً للحق الإثيوبي في التنمية على حساب دول المصب.

واللافت بل والمثير حقاً هو عدم تسجيل أي من الأعضاء اعتراضه على مفهوم سيادة أديس بابا على النهر مايؤكد أن مجلس الأمن أخفق في تقدير الانهيارات السياسية التي قد تترتب على هذا التراخي إزاء الموقف الإثيوبي إما لدواعٍ اقتصادية واستراتيجية ترتبط بإثيوبيا أو تقاعس المجلس عن أداء دوره المحدد في ميثاق الأمم المتحدة والملزم باحتواء النزاعات وتسويتها مع ما يتوائم واستقرار دول العالم ومنع الصراعات الإقليمية والحد من الحروب والاشتباكات بين الدول.

ولكن المؤسف أن هذا الدور بات يخضع للانتقائية في المسؤولية تجاه القضايا وتقاطع المصالح بين بعضها ليصبح اللجوء إلى مجلس الأمن أمر غير مجدٍ في بعض الأحوال! على طاولة النقاش في مجلس الأمن، طرح وزير الطاقة والمياه الإثيوبي «سيليشي بيكيلي» أن ملف «سد النهضة» لا يجب أن يناقش في مجلس الأمن، وأن ذلك مضيعة للوقت -على حد تعبيره- مطالباً بعدم تكرار هذه الجلسة، فالأجدى الانخراط في مناقشة الملف عبر المفاوضات داخل الاتحاد الأفريقي فقط متهماً مصر والسودان بأنهما غير جادتين في المفاوضات.

فهل من يلجأ إلى مجلس الأمن في قضية استراتيجية وجودية يعتبر غير جاد في حل قضيته، عجباً! يشكل سد النهضة بآليته الحالية هاجساً ومهدداً حقيقياً لدولتي مصر والسودان ومن يعنيه شأنهما ويقاسمهما الهم الوجودي المتعلق بأهم مقومات الحياة لشعبي الدولتين، ما يتطلب وقفة جادة عبر دول الإقليم واستنهاض الهمم لحسم القضية بما يضمن مصالح جميع الدول المتنازعة، ويضمن السلم والاستقرار دون الإضرار بطرف أو تأييده على حساب آخر. * كاتبة سعودية