صدرت الموازنات السنوية لدول مجلس التعاون الخليجي لعام 2021 متضمنة عجوزات كبيرة نسبياً نتيجة للعديد من العوامل، والتي يأتي في مقدمتها انخفاض أسعار النفط بداية العام والنفقات الإضافية الكبيرة التي ترتبت على الأعمال والإجراءات الجيدة التي اتخذتها دول المجلس لاحتواء جائحة كوفيد-19، والتي حملت الموازنات السنوية مبالغ طائلة، ناهيك عن الدعم الإضافي الذي قدمته هذه الدول للسكان لتعزيز تلائمهم مع الجائحة ودعم الخدمات التي تقدمها الدولة لهم، وبالأخص الخدمات الصحية.

وتتميز موازنات هذا العام، بالإضافة إلى العجوزات الكبيرة المفترضة بانخفاض الإنفاق العام ضمن جهود الحكومات للحد من العجز، وكذلك عدم فرض رسوم أو ضرائب جديدة مراعاة للظروف المالية والمعيشية التي ترتبت على الجائحة، وبالتالي تقلص الدخل من الضرائب والرسوم بشكل عام بسبب تدني مستويات الأنشطة الاقتصادية غير النفطية.

ومع ذلك، فإن حجم العجوزات ونسبتها للناتج المحلي الإجمالي تراجع هذا العام، مقارنة بموازنات العام الماضي، ففي الوقت الذي صدرت فيه الموازنة الإماراتية الاتحادية لعام 2021 بصورة متوازنة، فقد بلغ عجز الموازنة الكويتية 40 مليار دولار، علماً بأنه لم تجر أية إصلاحات مالية هناك، كفرض ضريبة القيمة المضافة على سبيل المثال، كما هو الحال في معظم دول المجلس، في حين انخفض عجز الموازنة السعودية بنسبة 53% ليصل 38 مليار دولار. أما العجز المعلن في سلطنة عُمان فقدر بـ 5.7 مليار دولار.

وتسعى السعودية إلى تغطية العجز بالاقتراض الداخلي والخارجي، إلا أن سلطنة عُمان قررت تغطية العجز من خلال الاقتراض والسحب من الاحتياطي.

أما الكويت فستواجه مشكلة معقدة لتغطية هذا العجز الكبير، بسبب موقف البرلمان الرافض للاقتراض أو للسحب من الاحتياطي، مما سيضع الحكومة أمام مشكلة مالية معقدة. والحال، فإننا نعتقد أن هذه الصورة يمكن أن تتغير بدرجة كبيرة، بفضل العديد من العوامل، والتي يأتي في مقدمتها التطورات المتسارعة في أسواق النفط العالمية، إذ اعتمدت دول المجلس أسعار نفط متحفظة نسبياً عند إعداد موازناتها السنوية تتراوح بين 45-50 دولاراً للبرميل، إلا أن الأسعار تجاوزت هذا المستوى بنسبة كبيرة لتبلغ 75 دولاراً للبرميل بداية الأسبوع الجاري، حيث تعتبر تلك تطورات جيدة، وستساهم دون شك في انخفاضات إضافية للعجوزات بالموازنات الخليجية، كما ستساهم في زيادة الإنفاق، والذي سيؤدي إلى المزيد من الانتعاش في الأوضاع الاقتصادية بدول المجلس خلال العام الجاري.

بالإضافة إلى ذلك يتوقع أن تنحسر موجة الإغلاقات والاحترازات الصحية بفضل التوسع في استخدام اللقحات، خصوصاً وأن دول المجلس تأتي في مقدمة دول العالم في نسب التطعيم، مقارنة بعدد السكان، مما سيؤدي إلى انتعاش الأوضاع الاقتصادية، وبالتالي زيادة عائدات هذه الدول من الرسوم والضرائب، والتي أصبحت أحد أهم مكونات الإيرادات في السنوات الأخيرة بعد الإصلاحات المالية التي اعتمدتها بعض دول المجلس ضمن إجراءاتها الصحيحة للتحضير لما بعد عصر النفط.

وهناك عامل ثالث محتمل يتعلق بإمكانية زيادة إنتاج النفط نهاية العام الجاري، وبما يفوق الزيادة المعتمدة في (أوبك بلس)، وذلك لتلبية الطلب المتزايد والناجم عن العودة التدريجية للأنشطة الاقتصادية في مختلف بلدان العالم، بما فيها الدول الكبيرة المستهلكة للنفط، كالصين والهند.

لذلك تبدو الأوضاع الاقتصادية أفضل بدول المجلس في هذا العام، حيث يتوقع أن تحقق معدلات نمو تتراوح بين 3إلى 4% وفق العديد من المصادر، بما فيها توقعات صندوق النقد الدولي، وهي مؤشرات تدعو للتفاؤل بتجاوز معظم تداعيات جائحة كورونا، وتحسن الأوضاع الاقتصادية العامة بدول مجلس التعاون الخليجي في العام الجاري 2021.

 

* مستشار وخبير اقتصادي