يأتي احتفال الصين بالمئوية الأولى لتأسيس حزبها في يوليو 1921، قبل 28 عاماً من وصوله إلى السلطة، في الوقت الذي صار نجاحها المستمر بمثابة التحدي الأول أمام الولايات المتحدة ودورها العالمي. وقد حققت الصين قفزات تنموية سريعة، خاصةً في العقود الأربعة الأخيرة التي فتحت فيها الأبواب لاستثمارات خاصة متزايدة أجنبية ومحلية، وفق ضوابط محددة مرتبطة بمشروع يهدف إلى توسيع الحضور في العالم، من دون حروب أو تدخل عسكري.
ويعتمد هذا المشروع على قدرات اقتصادية كبيرة تراكمت لدى الصين خلال عقود النمو المرتفع، الأمر الذي مكَّنها من ضخ استثمارات في مناطق واسعة في العالم، وبناء نوع جديد من الشراكات مع عدد كبير من الدول. وتُعد خطة الحزام والطريق محور هذا المشروع، إذ تهدف إلى إحياء طريق الحرير التجاري القديم، الذي كان يمتد عبر آسيا وأوروبا، بطريقة حديثة وتوسيعه ليشمل أفريقيا. ونجحت الصين في إقناع 126 دولة و29 منظمة عالمية بالمشاركة في هذه الخطة والتعاون في تنفيذها، الأمر الذي يثير قلق واشنطن من تحول بكين إلى الشريك الرئيسي لكثير من هذه الدول في المجالات المتعلقة بالبنية التحتية. 
وهكذا أصبحت الصين اليوم المنافس الأول، بل الوحيد، للولايات المتحدة. ويقترب الاقتصاد الصيني من تجاوز نظيره الأميركي، بمعيار إجمالي الناتج المحلي، ليصبح الأكبر على المستوى الدولي. ولهذا، لم يأت من فراغ الشعور بالفخر الذي ظهر في احتفال الصين بعيد حزبها، وفي كلمة رئيسها «شي جين بينغ» أمام حشد غفير في ميدان تيانانمن قبل أيام.
ولكن هذا لا يعني أن طريق الصين إلى قمة النظام العالمي باتت سهلة أو مُمهدة. فكما تُمثل الصين تحدياً للولايات المتحدة، والغرب، يواجهها تحدٍّ كبير لإكمال الطريق التي تمضي فيها. إنه تحدي التكنولوجيا الأكثر تقدماً، الذي سيُحدِّد نوع استجابة الصين له المدى الذي سيبلغه نجاحها.
لا يكفي أن يكون اقتصاد الصين الأكبر في العالم. فلكي تحجز مكانها في قمة النظام العالمي، يتعين أن تصل إلى المستوى الذي بلغته الولايات المتحدة في مجال الابتكار التكنولوجي. وقد قطعت الصين شوطاً يُعتد به في هذا الاتجاه. غير أن التحدي الذي يواجهها اليوم هو حل مشكلة نقص المادة التي تُعد القلب النابض للتكنولوجيا الأكثر تقدماً وللأجهزة الإلكترونية بوجه عام، وهي أشباه المُوصلات Semiconductors، أو ما يُعرف إعلامياً برقائق السيليكون. فقد اتجهت الولايات المتحدة إلى تقييد مبيعات هذه الرقائق والمعدات المستخدمة في تصنيعها للشركات الصينية، رداً على أو قلقاً من إحراز شركة هواوي تقدماً كبيراً في تطوير تقنية الجيل الخامس G5.
ومن شأن هذا الإنجاز أن ينقل العالم إلى ثورة صناعية خامسة تقوم على شبكات إنترنت الأشياء، والذكاء الاصطناعي في مختلف مجالات الحياة. ولهذا أسست واشنطن تحالفاً واسعاً يضم شركات عملاقة، ومن بينها أهم مجموعات تصنيع أشباه المُوصلات مثل إنتيل وكوالكوم وسامسونج، سعياً إلى التعجيل بتطوير أنظمة الجيل الخامس.
لقد كان اهتمام الولايات المتحدة المبكر بالتكنولوجيا أحد أهم عوامل تفوقها، إذ شرعت منذ بداية القرن الماضي في إنشاء المنطقة الصناعية المعروفة الآن بوادي السيليكون، والتي تضم معظم الشركات الكبرى المنتجة لأشباه المُوصلات، وغيرها.
ورغم أن الصين دخلت في هذا المجال متأخرةً عن أميركا، فقد قطعت خطوات كبيرة منذ تأسيس مجمع تشونجوانتسون عام 1988 لتنمية التكنولوجيا الأكثر تقدماً. وأصبح لديها قاعدة علمية يمكن أن تساعد في مواجهة التحدي المتعلق بالحصول على حاجاتها من أشباه المُوصلات، في وقت مناسب.
فما أكثرها التحديات التي استجابت الصين لها، في ظل تصميمها على أن تبلغ المكانة التي تتطلع إليها في عالمنا.