اتخذت عدد من دول مجلس التعاون الخليجي مؤخراً قرارات باتجاه تأسيس كيانات اقتصادية جديدة، بعضها مشابه لتلك الموجودة في دول أخرى من المنظومة الخليجية، مما أثار تساؤلات حول المنافسة الخليجية، وبالأخص من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، حيث جاءت التعليقات غير مهنية، في حين حاول البعض استغلال هذه التطورات لإعطاء انطباعات خاطئة عن طبيعة هذه المنافسة، حيث سنحاول هنا تقديم وجهة نظر مهنية حول هذه التطورات بعيداً عن الإثارة والآراء غير المتخصصة.

في البداية لا بد من توضيح بعض الحقائق الخاصة بالمنافسة، والتي تعتبر ظاهرة إيجابية  وصحية في اقتصاد السوق تدفع إلى الأفضل وتساهم في تطوير الأعمال، وهي حاضرة في كافة التكتلات الاقتصادية، بما فيها الاتحاد الأوروبي، بل إنها موجودة بين الولايات الأميركية نفسها، حيث تحاول كل ولاية تقديم الأفضل، كما أن المنافسة تعتبر حافزاً للإبداع والتطور، إذ من دونها تميل الأمور للرتابة والروتين، ومن ثم التراجع.

من جهة أخرى لا تعتبر المنافسة الخليجية شيئاً طارئاً، بل هي موجودة قبل قيام المجلس واستمرت منذ قيامه، وقد كان دورها بتطور دول المجلس إيجابياً جداً، باعتبارها منافسة صادقة ترمي إلى الارتقاء الجماعي، حيث يمكننا الإشارة إلى بعض أوجه المنافسة السابقة ونتائجها الإيجابية: عندما تأسست شركة الخطوط القطرية عام 1993 ارتفعت الأصوات بأن ذلك سيضر بشركة طيران الإمارات وطرحت تساؤلاً: لماذا هذا التنافس الخليجي؟ ولكن ما هي النتيجة؟

لقد كانت النتيجة مبهرة ومثيرة للإعجاب، فقد تضاعف أسطول طيران الإمارات منذ ذلك الوقت بأكثر من الضعفين ليتجاوز عدد الأسطول 260 طائرة، أما مطار دبي، فقد تطور خلال عقدين ليحتل المرتبة الأولى عالمياً، وتضاعف عدد الركاب ليصل إلى 80.6 مليون مسافر عام 2019، وإضافة إلى ذلك تأسست ثلاث شركات طيران إماراتية جديدة، «الاتحاد» و«العربية» و«فلاي دبي».

هل توجد نتيجة أكثر روعة من ذلك؟ وفي الوقت نفسه تطورت «القطرية» لتتحول منطقة الخليج العربي إلى أحد أهم مراكز النقل الجوي في العالم، والتي استفادت منها كافة دول المجلس. نفس المخاوف الآن تثار من قبل غير المتخصصين بعدما تم الإعلان عن تأسيس شركة جديدة للنقل الجوي؟

وبصورة مهنية ما هي النتائج التي ستترتب على ذلك؟ هي إيجابية لكافة دول المجلس، كما بينت التجربة التاريخية السابقة. السؤال الأهم: ما هي الأسباب الموضوعية لهذه الاستنتاجات؟ إنها تكمن في الآتي: فوفق الاتحاد الدولي للنقل الجوي، سيتضاعف عدد المسافرين خلال العقدين القادمين ليصل إلى 7.8 مليار مسافر، مقابل 4 مليارات في عام 2019، كما ستتضاعف عمليات الشحن الجوي، مما يعني أن الظروف ستتطلب مضاعفة طاقة المطارات والطائرات، كي تواكب عدد المسافرين ومعدلات الشحن، فكيف ستتم مضاعفة القدرات؟ ستتم بجانبين، أولاً توسعة المطارات والمرافق الحالية. وثانياً إقامة مرافق وشركات طيران جديدة.

إذن كل ما قيل بصورة غير مهنية من أضرار المنافسة لا معنى له، من يخاف من المنافسة هو الضعيف والمتردد. أما القوي والواثق فسوف يدفعه ذلك للتطوير وتقديم أفضل الخدمات، حيث يمكن ملاحظة ذلك بوضوح في نوعية خدمات التقنيات الجديدة، التي تقدم الآن في المطارات الخليجية.

د. محمد العسومي*

*مستشار وخبير اقتصادي