تساهم التحولات والتغيرات المتتالية في تحوير وتحويل الأدوات والوسائل المستخدمة في تحقيق الأهداف والخطط السابقة واللاحقة لإنتاج المشاريع الفكرية، والثقافية، والسياسية، والاقتصادية، وغيرها.
ولعبت الفترة المتأزمة خلال جائحة كورونا «المتهالكة»، دوراً كبيراً في الاحتجاز وحالة السكون المكاني، المصحوبة بحركة رقمية كبرى وتفرعات شاسعة، تعيد التفكير مرة تلو الأخرى، في كيفية استثمار هذه المستجدات.
وتبرز من خلال شتى المجالات المتصارعة الساعية لتطفو على السطح، مجال جامع دقيق يعنى بـ«التكامل المعرفي»، الذي يمثل تلك العقدة المحكمة المكونة من خيوط المعارف والعلوم دون تهوين، أو استثناء لأي منها، وبخاصة أن قاعدة العقل الإنساني (الدماغ)، الدارس للأسس البيولوجية للمعرفة، معوز للوقوف والتعرف على مواطن الإدراك، والحواس، وأنماط التفكير، والتمكن من اللغة، والذاكرة، وآلية انتقال المعلومات التي تخلص مجتمعةً لتحقيق التكامل في المعرفة. ومن المُسلم واللافت أن تلك الكيفية وخطواتها ولوازمها لا يمكن تحقيقها من خلال جانب أوحد منفصل ومنعزل عن التفاعل والعلوم، أو الاختصاصات المعنية الأخرى، وبخاصة في ظل تصدر «المحتوى الإلكتروني» ليصبح لصيقاً بكبرى مصادر التعليم والتعلم، ونشر الثقافات. الوقت
وفي سياق جو الرقمنة المتفوق على غيره، فإن الحديث عن التكامل المعرفي بهذه الدرجة من الاهتمام، هو «ترجمة حَاجة» لنموذج يراعي أنواع الموهبة العقلية، التي حللها عالم النفس الأميركي روبرت ستينبرغ «Robert Sternberg»، من خلال نظريته التي تتناول ثلاثية الذكاء الإنساني، مطلقاً العنان للموهبة العقلية، التي تتجاوز درجات «التحصيل الأكاديمي» التقليدي، والتي أدى ويؤدي الجمود عليها فقدان العديد من الحلقات الإنسانية التي تشكل «العقد النفيس» الغني بالمواهب في المجتمعات الإنسانية، وبخاصة لدى فئة الأطفال، ذلك أن الموهبة العقلية بلورة ثلاثية الأبعاد، تتكون من: الموهبة التحليلية، والموهبة التأليفية أو الابتكارية، والموهبة العملية، ولا تقف أو تحدد عند واحدة دون الأخرى. 
وإن تحقيق التكامل المعرفي بشكل عام، ومن خلال وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الرقمية بشكل خاص، يساعد الأجيال الحالية، والقادمة لامتلاك أدوات اتخاذ القرار، وامتلاك أنماط تفكير بناءة وأكثر إبداعاً تولد العديد من الأنماط «المبهرة» واسعة الانتشار في شتى النواحي والأنشطة، لتسير بانسيابية مبهرة مع حداثة النظم المستجدة والمتطورة، كعنصر دافع ومساعد وفعال، وفي الوقت ذاته تساعد على احتواء مستخدمي شبكات الإنترنت، والحيد بهم عن «المستنقعات الرقمية» الخطيرة العاملة على نشر خطاب الكراهية، أو «صناعة المفرَّغين» بدلاً من صناعة المؤثرين أصحاب المحتوى. 

ففي النظر لإحدى إحصائيات تأثير جائحة كورونا، على مقدار الارتفاع في الأنشطة المختلفة عبر الإنترنت، زادت نسبة قضاء الوقت على وسائل التواصل الاجتماعي بنسبة 43%، تقريباً، كما ارتفعت نسبة استخدام الهواتف الذكية والمحمولة بشكل عام لحوالي 70%، ليقضي مستخدمو شبكة الإنترنت ما يقارب الست ساعات يومياً في استخدام الوسائط، بحسب التقرير الصادر عن «Hootsuite»، حول حالة الإنترنت حول العالم. 
وعليه، فإن الغاية من نشر ثقافة التكامل المعرفي، تكمن في إنبات بوادر لثقافات غنية، وإحلال النافع مكان الضار من ثقافة الحوار وحب المعرفة والاستزادة، بدل شحن العقول بخطاب الكراهية والعنف واستغلال صهوة المنصات الإلكترونية في «تمييع» خطورة بعض الظواهر، والتقليل من شأن أخرى «هامة». ومن ناحية أخرى فإن البناء العقلي الناتج عن التكامل المعرفي المشبع بالأنشطة الحسية والمعرفية، والعقلية المكونة للخبرة الإنسانية الكفؤ، المتناولة لوجبة غنية وناضجة من المعرفة، ستؤول للانتقال من تخريج أفواج «حافظة» مدمنة للتلقين و«التكديس» المعلوماتي، لجيل «واعٍ»، ومبدع، ونهم لنهل كل جديد، والذي سيساعد في تحقيقه المضمار الرقمي محققاً سرعة انتشاره، وسهولة الوصول إليه، وتطويع أدوات الحداثة لنفع الإنسان، والإنسانية.