الذين حَلموا منا بحياة خارج الأرض منذ الطفولة المشبعة بقصص الخيال العلمي، ينتظرون تقرير الحكومة الاتحادية عن الأجسام الطائرة المجهولة. لكن من غير المحتمل أن يغير التقرير العقول. وهذا يجعل الجدل بشأن هذه الأجسام، كأي شيء آخر هذه الأيام فيما يبدو ويجعلها مرشحاً جيداً لتعليمنا بعض الأمور عن التواضع المعرفي. لنبدأ ببعض البيانات: يخبرنا القائمون باستطلاعات الرأي أن أميركيا واحد من بين كل ثلاثة يؤمن بقدوم زوار من خارج الأرض. ولا يوجد تقسيم على أساس حزبي هنا ولو لمرة! فقد أظهر استطلاع جالوب أن «الديمقراطيين» (بنسبة 32%) و«الجمهوريين» (بنسبة 30%)، بالتساوي تقريباً، يعتقدون على الأرجح أن هناك بعض الأجسام الطائرة المجهولة هي مركبات لكائنات من الفضاء. ونسبة من يعتقدون هذا وسط المستقلين أعلى قليلاً وتبلغ 38%. 

إذن، هناك بعض على صواب وبعض آخر على خطأ. فهل يمكننا أن نقرر أي الفريقين على صواب، بالاعتماد على بيانات رسمية؟ وفقاً لعدة تسريبات، سيذكر التقرير الذي طالب الكونجرس بالحصول عليه من مدير الاستخبارات القومية أن الحكومة ليس لديها أدلة على وجود زوار من خارج الأرض. هل هذا يستتبع أن الذين يعتقدون غير هذا يعيشون في عالم بعيد عن الحقيقة؟ أنا أميل إلى الإجابة بلا. لكن من المهم فهم السبب. وبالنسبة للمؤيدين لفكرة زوار الفضاء، فأصعب التحديات تمثلها «مفارقة فيرمي». وتذهب المفارقة إلى أنه إذا كان العالم به حضارات أخرى أكثر تقدماً من حضارتنا، فلماذا لا نجد أي علامة عليها؟ فأبحاثنا الجادة لم تتمخض عن أدلة. لكن لحسن الحظ، إذا كان المرء من المؤمنين بوجود حضارات أخرى في الكون، هناك ردود كثيرة على هذه الأحجية. 

ومن يقرأون ثلاثية «مشكلة الأجسام الثلاثة» للكاتب «لو سيكسين»، يعرفون النظرية التي مفادها أن الكائنات الفضائية تخفي نفسها بغرض تجنب تعرضها للدمار من كائنات فضائية أخرى أكثر قوة. كما طرح الاقتصادي «روبن هانسون» ومشاركون معه فكرة أن أي حضارات «محبة للاستحواذ» توسعت بسرعة لدرجة أننا لا نستطيع اكتشاف علاماتها. لماذا؟ لأن توسعها السريع جاء بعد مغادرة الإشارات التي يمكننا ملاحظتها من مجراتها البعيدة قبل مليارات السنين. «فإذا كانوا في المكان الذي يمكننا رؤيتهم فيه لكانوا هنا الآن بدلاً منا». ورغم أن هناك فكرة لهانسون تشرح السبب وهو إذا كان هناك حضارات أكثر تقدماً لما حاولنا بجد شديد للتواصل معهم. 

الاحتمالية الثالثة هي أن هناك كائنات فضائية أكثر تقدماً ولا يختبئون ولا يحبون السيطرة، بل وجدوا طريقاً من التطور التكنولوجي الذي لا يترك علامات يمكننا البحث عنها. لكن العقلية التآمرية قد تخلص إلى أن الحكومة الأميركية تعلم أن لدينا زواراً من الفضاء، لكنها تخفي الحقيقة. وزعم وكالات حكومية متعددة عدم وجود أدلة على أن الأجسام الطائرة المجهولة هي مركبات لكائنات من الفضاء لا تزيد هذه الشكوك إلا عمقاً لدى أصحاب العقلية التآمرية. لكن إذا كان هناك مؤامرة كبيرة تخفي الحقيقة منذ عقود، فلن يكشف المتآمرون البيانات لمجرد أن الكونجرس طلب هذا. 

وإلى جانب هذا، ذكرت نيويورك تايمز» أن التقرير سيكون به شيء لكل شخص. فمازال من المجهول الأجسام الطائرة المجهولة التي رصدها الطيران العسكري على مدار سنوات وتطلق الحكومة على هذا الآن «الظواهر الجوية المجهولة». ويتوقع أن يخلص التقرير إلى أنها ليست من أي برنامج سري. وحين تضطر مجلة «ساينتفيك أميركان» إلى الاعتراف بأن العقل يتحير أمام تعدد الاحتمالات، فربما من المعقول التنبؤ بألا تتغير العقول كثيراً. ويجب ألا يكون في هذا مفاجأة. فقد اتضح أننا لا نحسن تغيير عقولنا. وانقساماتنا السياسية تفاقم هذا الميل. والمتحزبون سياسياً مشكلتهم لا تنحسر في عدم القدرة على تغيير وجهات نظرهم في القضايا السياسية المتنازع عليها، بل يعانون فيما يبدو في الحياة اليومية من عدم مرونة معرفية أكثر عمومية. 

وهذا من الأسباب التي يتعين علينا من أجلها غرس التواضع المعرفي ليس فقط فيما يتعلق بالأجسام الطائرة المجهولة، بل أيضاً فيما يتعلق بالعالم من حولنا. ويتعين علينا تنمية شعور بمدى ضآلة ما نعرفه. والتواضع المعرفي ينطوي على الاعتراف بتحيزاتنا ونقائصنا، ويتم هذا في جانب من خلال التقييم الواقعي لمعرفتنا وقدرات عقولنا. إنها مهارة مهمة. ففي كثير من القضايا موضع الخلاف، نميل للثقة بخبير ما بعد أن نعلم أي الأشخاص يتبنى وجهة نظرنا. ولا شيء يسوغ أن يكون الجدل بشأن الأجسام الطائرة المجهولة مختلف عن هذا. 

إلى أين ننتهي من هذا؟ إلى الموقف الذي اعتقد أنه يجب أن نصل إليه في معظم الأوقات. فبدلاً من وصف معتقدات المتحمسين للأجسام الطائرة المجهولة بأنها خاطئة، أفضل القول إنهم ربما على صواب، لكني لست مقتنعاً بعد. وربما يظهر الدليل الحاسم قريباً. وإذا وصل إلينا زوار من الفضاء، أظن أنه سيكون لديهم الكثير من التواضع المعرفي بالفعل. وإلا فإن انشغالهم بالتناحر فيما بينهم، سيمنعهم من قطع الطريق عبر النجوم ليصلوا إلى هنا. 

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»