الهند في طريقها إلى التعافي من الموجة الثانية المميتة لجائحة فيروس كورونا، والتي تسببت في خسائر فادحة. في مؤشر واحد فقط على مدى شدة الموجة الثانية، وصل عدد القتلى المعلن عنه رسمياً في الهند إلى أكثر من 388.000. لكن الخبر السار هو أن الموجة الثانية آخذة في الانخفاض، وحالات التعافي مستمرة في تجاوز عدد الحالات الجديدة اليومية المسجلة خلال الشهر الماضي. ويتم الآن ببطء إنهاء عمليات الإغلاق التي كانت سارية في عدد من الولايات الكبرى لمنع انتشار الفيروس، والسماح باستئناف النشاط الاقتصادي، وهذا أيضاً أمر ضروري إلى جانب إبقاء الفيروس تحت السيطرة. واعتباراً من هذا الأسبوع، بدأت الحكومة في تقديم لقاحات مجانية لجميع المواطنين فوق سن 18 عاماً، بعد أن أعلن رئيس الوزراء ناريندرا مودي أن الحكومة الفيدرالية ستشتري اللقاحات وتوفرها مجاناً لجميع البالغين.
ومما لا شك فيه أنه من الأهمية بمكان بالنسبة للهند تسريع حملة التطعيم لإبطاء انتشار المرض ولمنع استمرار الوفيات بسببه. والاختبار بالنسبة للدول النامية هو التعلم مما يحدث في الدول المتقدمة مثل المملكة المتحدة، حيث تم تطعيم ما يقرب من نصف السكان بالفعل. ويبقى أن نرى ما إذا كانت الحالات في تلك البلدان تتباطأ والوفيات تتراجع أم لا. ويبقى أيضاً أن نرى مدى فعالية اللقاحات ضد الطفرة التي تظهَر بأشكال مختلفة. لقد تسبب المتغير الذي أطلق عليه اسم دلتا، وتم اكتشافه لأول مرة في الهند، في حدوث اضطرابات هائلة. كان انتشار الفيروس سريعاً لدرجة أن البنية التحتية الصحية كانت على وشك الانهيار، حيث واجهت البلاد نقصاً في الأدوية والأكسجين، حتى في المدن التي لديها أفضل بنية تحتية طبية مثل دلهي ومومباي. كما انتشر الوباء في المناطق الريفية من البلاد، حيث البنية التحتية الطبية هي الأضعف. وكان الوضع كارثياً في أجزاء كثيرة من البلاد حيث استمرت الوفيات في الارتفاع. لا يزال حصر البيانات جارياً، ومن المتوقع أن يكون عدد القتلى النهائي أعلى بكثير مما تم الإعلان عنه.
وفيما يتعلق بالهند، فإن التحدي لن ينتهي حتى يتم تطعيم جزء كبير من السكان. حتى الآن تم تلقيح 5% فقط من السكان، وسيستغرق تطعيم قسم كبير منهم وقتاً طويلاً. لكن وتيرة برنامج التطعيم تزداد الآن مع تضاؤل التردد بشأن تلقي اللقاح. في أبريل الماضي، عندما أعلنت الحكومة عن فتح برنامج التطعيم، كانت الأمور تتسم بالفوضى، حيث كانت حشود كبيرة تتجمع في مراكز التطعيم، حتى مع إعلان الولايات عن نفاد جرعاتها وإغلاق مراكز التطعيم. ولكن الآن يبدو أن هذا الوضع آخذ في التحسن، حيث أصدرت عدة ولايات عطاءات عالمية للحصول على المزيد من الإمدادات. كما أوقفت التطعيم للمواطنين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و45 عاماً بسبب نقص الإمدادات. الآن، وفي تحول كبير في السياسة، أعلنت الحكومة الفيدرالية أنها ستشتري 75% من اللقاحات للاستخدام المحلي. وفي الواقع، كانت الموجة الثانية المميتة هي التي دفعت الحكومة الفيدرالية إلى فتح برنامج التطعيم لمن هم فوق سن 18 عاماً أيضاً. وأدى هذا القرار إلى إضافة 600 مليون هندي إلى قائمة الأشخاص الذين يحتاجون إلى التطعيم. من الواضح أن التطعيم الكامل لهذا العدد الهائل من الأشخاص هو مهمة ماراثونية وتحد لأي بلد.

ويحذر كبار الخبراء الطبيين الآن من موجة ثالثة وشيكة. وبالفعل هناك أخبار عن أن المزيد من الطفرات آخذة في الظهور. فقد تم العثور على عدد من حالات متغير دلتا بلس في العينات التي جُمعت في ولاية ماهاراشترا. وفي حين أن البيانات ليست واضحة حتى الآن، فإن متغير دلتا بلس هذا، المتكون من طفرة في متغير دلتا (B.1.617.2)، هو في الوقت الحالي «متغير مثير للاهتمام» ولم يتم تصنيفه على أنه «متغير مثير للقلق». لكن من الواضح أن الهند بحاجة إلى توخي الحذر والاستعداد لمواجهة أي موجة ثالثة محتملة يمكن أن تكون أكثر فتكاً مقارنة بالموجة الثانية؛ لأنها قد تعرض الأطفال للخطر. حتى الآن كان يُنظر إلى الأطفال على أنهم أفضل حالاً من البالغين. لكن بما أن الفيروس يتحول باستمرار، فإن الخطر يكمن في حدوث طفرة أخرى يمكن أن تغير السيناريو.
ليس هناك شك في أنه يمثل تحدياً لأي دولة أن تقوم بتلقيح كامل لسكان بحجم الهند. لكن الأهمية القصوى هي لضمان اتباع الإجراءات الاحترازية من «كوفيد-19» بأكبر قدر ممكن من الدقة. وحتى يتم تطعيم جميع السكان، يبقى من المهم، على الرغم من صعوبة ذلك في المناطق المكتظة بالسكان، ضمان عدم تكرار ما حدث خلال الموجة الثانية. وبالنسبة للهند، من الآن فصاعداً، فإنها في سباق مع الزمن لتطعيم قسم أكبر من سكانها قبل أن يبدأ الفيروس الوبائي التحور مجدداً في شكل آخر.