حشد الرئيس جو بايدن الكثير من الأنشطة ضمن زيارة أوروبية واحدة: قمة لمجموعة السبعة، وقمة لحلف الناتو، ولقاء ثنائي مع رئيس المجلس الأوروبي، ثم لقاء قمة مع الزعيم الروسي فلاديمير بوتين. وبالنسبة لرئيس، وعلى نحو يمكن تفهمه، تمثل السياسة الداخلية أولى أولوياته خلال شهوره القليلة المنقضية من رئاسته، فقد كان هذا أسبوعاً نادراً احتلت فيه السياسة الخارجية الصدارةَ. غير أن هذه الزيارة كانت أيضاً أكثر تعقيداً مما قد يبدو للوهلة الأولى. صحيح أن لقاء القمة مع بوتين كان سيكون معقداً دائماً، والأحداث البيلاروسية لم تزده إلا توتراً، لكن العلاقة بين ضفتي الأطلسي كانت في حاجة إلى بعض الرعاية أيضاً. ولا شك في أن الأوروبيين كانوا مسرورين لأن دونالد ترامب لم يعد رئيساً، غير أنه كانت هناك إشارات ضمنية إلى أن الاستراتيجية الكبرى لإدارة بايدن قد تطرح مشاكل أيضاً. 
وبالنظر إلى هذا السياق، يمكن القول إن بايدن قام بزيارة قوية جداً. كان لدى الإدارة الأميركية بعض الزخم في ظل الاتفاق المؤقت لمجموعة السبع بشأن الضرائب. وهذا أظهر أنه كانت هناك نقاط اتفاق، حيث من شأن العلاقة عبر الأطلسي أن تُحدث فرقاً مهماً. 
إدارة بايدن أعقبت ذلك بالإعلان هذا الأسبوع عن اتفاق لإنهاء النزاع القائم بين شركتي «بوينج» و«إيرباص» منذ 17 عاماً بخصوص الإعانات الحكومية لشركات صناعة الطائرات. ومثلما شرح الصحافيان ستيفان إيرلانجر ومايكل شير من «نيويورك تايمز»، فإن «الاتفاق، الذي يعلّق التهديد بمليارات الدولارات من الرسوم العقابية على اقتصادي الجانبين لخمس سنوات، يُعد مؤشراً واضحاً على جدّية الرئيس بايدن بخصوص إصلاح العلاقات مع الاتحاد الأوروبي وجر التكتل الغني إلى صفّه ضمن ما يعتبره تحدياً تاريخياً متمثلاً في صعود صين متقدمة تكنولوجياً». 
البلاغان الصادران عن مجموعة السبع وحلف الناتو أعادا التأكيد على إيلاء فريق بايدن الأولوية لصياغة رد منسق على الصين. فقد أكد بلاغ مجموعة السبع «أننا سندافع عن قيمنا، بما في ذلك دعوة الصين إلى احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية». ومن جانبه، قال بيان الناتو: «إن طموحات الصين المعلنة وسلوكها الساعي إلى إثبات القوة يطرحان تحديات للنظام الدولي القائم على القواعد وللمجالات المتعلقة بأمن الحلف». 
أما في ما يتعلق بالقمة مع بوتين، فيبدو أنها جرت مثلما كان متوقعاً لها. والشيء الوحيد الذي اتفق عليه بوتين وبايدن في مؤتمرهما الصحفي عقب القمة هو أن اللقاءات كانت براغماتية وبنّاءة وخالية من العداوة الشخصية. وبالنظر إلى التدهور الحالي في العلاقة الثنائية، يمكن اعتبار هذه النتيجة نجاحاً للقمة. كما أن عودة السفيرين إلى سفارتيهما وخلق حوار ثنائي حول الاستقرار الاستراتيجي، يوفّران بعض الأمل في أن العلاقة الثنائية لن تتدهور أكثر. 
غير أنه لا بد من التأكيد على أن العناوين العريضة لإنجازات هذه الزيارة ستحتاج إلى مزيد من المتابعة حتى يمكن اعتبارها مكاسب حقاً. وعلى سبيل المثال، فإن الاتفاق بشأن الضرائب ما زال في حاجة إلى موافقة لاعبين دوليين آخرين إضافة إلى الكونجرس. كما أن الاتفاق بين «بوينج» و«إيرباص» اكتفى بترحيل بعض المشاكل العالقة إلى وقت لاحق، وليس له أي تأثير على الخلافات التجارية الأخرى بين ضفتي الأطلسي. وفي آخر مرة أعلنت فيها روسيا والولايات المتحدة عن تشكيل مجموعة عمل، كان لهذه الأخيرة عمر قصير لم يتعدّ بضع ساعات فقط. وبالطبع، وقع هذا الحادث حينما كان ترامب رئيساً للولايات المتحدة. ويمكن القول إن أهم رسالة كان يبعث بها بايدن خلال هذه الزيارة هو أن ترامب لم يعد الرئيس. وهذا يعني أن الولايات المتحدة ستتعاون مع الشركاء من أجل التعاطي مع الصين. ويعني أن العلاقة الثنائية الروسية الأميركية ستبقى متوازنة، ومبنية على المصالح المتبادلة رغم قلتها الآن بين البلدين. كما يعني أن السياسة الخارجية الأميركية لن تمارَس من خلال تغريدات على موقع «تويتر». 
بعبارة أخرى، لقد كانت هذه زيارة خارجية عادية أفرزت نتائج قوية مع إمكانية إنتاج نتائج أكبر في المستقبل. ولا شك أن هذا أمر يبعث على الارتياح والاطمئنان بعد أربع سنوات من عرض ترامب المسرحي. 

*أستاذ السياسة الدولية بكلية فليتشر للقانون والدبلوماسية في جامعة تافتس الأميركية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»