ترك الوباء الحالي بصمته على جميع جوانب الحياة الإنسانية الحديثة، بما في ذلك الجوانب الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية، والأمنية، وغيرها. وفي الوقت الذي تأثر فيه جميع أفراد الجنس البشري، بشكل مباشر أو غير مباشر، بتبعات هذا الوباء، كان وقع تلك التبعات على بعض المجموعات والطوائف والفئات المجتمعية والبشرية، أكثر وطأة.

إحدى هذه المجموعات التي تأثرت بشكل أكبر بوباء كوفيد-19، كانت مجموعة أو فئة النازحين واللاجئين. أول هذه التأثيرات، حسب تقرير الاتجاهات الدولية للنزوح القسري (Global Trends in Forced Displacement)، الصادر قبل بضعة أيام عن مفوضية الأمم المتحدة العليا للاجئين، أظهر تراجعاً واضحاً في أعداد طلبات اللجوء بمختلف أنواعه، وفي الهجرة بوجه عام.
حيث نتج عن الوباء الحالي ازدياد صعوبة عبور الحدود الدولية والانتقال من بلد إلى آخر للجميع، وخصوصاً من يحاولون الهروب من بلدانهم، بسبب ظروف أمنية أو سياسية أو اقتصادية. فالعديد من دول العالم ولفترات متفاوتة، أغلقت حدودها في وجه جميع القادمين، وخصوصاً النازحين واللاجئين. وإن كانت قلة من الدول ظلت تسمح لهذه الفئة بالعبور إلى أراضيها، مثل أوغندا، والتي ظلت تستقبل اللاجئين الفارين من الصراع المسلح في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، بل وأقامت لهم مراكز لفحص كورونا في معسكراتهم.
والمؤسف أن نسبة متزايدة من النازحين واللاجئين، والذين يقدر عددهم بأكثر من 80 مليوناً أو ما يزيد على 1% من أفراد الجنس البشري، هم من الأطفال، ولدت أعداد كبيرة منهم كلاجئين. وتقدر مفوضية اللاجئين في تقريرها الأخير، أن أكثر من مليون طفل ولدوا كلاجئين بين عامي 2018 و2020 فقط.

والمعروف أن اللاجئين والنازحين يتعرضون لمخاطر وظروف صحية سيئة، في زمن الأوبئة أو غيره من الأوقات، تتجسد في انتشار الأمراض المعدية بينهم، وتدهور في الصحة العقلية والنفسية، وارتفاع معدلات الأمراض المزمنة، مقارنة بمعدلاتها في دول اللجوء، أو حتى في أوطانهم الأصلية.

ويشكل هذا الوضع في زمن وباء كوفيد-19 الحالي خطراً داهماً، ليس فقط على اللاجئين وأسرهم، بل على المجتمع الدولي برمته، وعلى جهود مكافحة الوباء على المستوى العالمي. حيث ستذهب جهود مكافحة الفيروس ومحاصرته داخل دول ومدن العالم هباء، إذا ظل يرتع بين اللاجئين، ليعود ويطل برأسه القبيح من هذه البؤر، والتي ستشكل مرتعاً خصباً لتكاثره.