لم يكشف الرئيسان بايدن وبوتين في تصريحاتهما الصحفية عن تفاصيل ما دار بينهما في لقائهما الهام الذي استغرق أربع ساعات في القمة التي عقداها منتصف يونيو الجاري، وقد اتفقا مسبقاً على الاكتفاء بالتصريحات بدل إصدار بيان مشترك، وجاءت التصريحات ذات طابع دبلوماسي خفف التصعيد اللفظي السابق وقلل من أخطار الصدام.

وكان السوريون يترقبون ما سيقوله الرئيسان حول القضية السورية التي بدت هامشية في تصريحات الزعيمين. لكن بوتين تحدث باختصار عن حوار دار بينه وبين نظرائه الأميركيين حول «البديل لموقع الرئاسة في سوريا»، معلناً أنهم معاً لا يجدون بديلاً. وقد أثار هذا الموقف حوارات واسعة بين السوريين وتم فهمه من وجهات نظر متعددة، فمنهم من فهم أن البحث عن البديل لا يزال مستمراً، وأن مشكلة روسيا أنها لم تجده إلى الآن، وكذلك الأميركان. 

فالبديل الذي تم تجاهله هو تنفيذ القرار 2254 وهذا ما اتفق عليه الجميع وقد صاغته روسيا، محددةً أن البديل هو تشكيل هيئة حكم انتقالي تتولى كامل الصلاحيات وتشكل حكومة تشاركية، وتدعو إلى انتخابات نزيهة.
ورغم أن الولايات المتحدة لم تعلن رؤيتها المستجدة للقضية السورية بعد تولي الرئيس بايدن، فإن كل مواقفها تطالب بدفع العملية السياسية في جنيف (حصراً) وبقيادة الأمم المتحدة بناءً على قراراتها المعتمدة في مجلس الأمن.
وحتى روسيا التي رشحت عنها تصريحات هامشية تشير إلى أن القرار الأممي 2254 وقبله بيان جنيف، صارَا قديمين، وأن الأمر الواقع الراهن في سوريا تم فرضه بالقوة ولا حاجة لأي عملية سياسية بعد «الانتصار العسكري الكبير» الذي حققته روسيا وإيران وكل حلفاء النظام السوري الذي اعتبر اللجنة الدستورية «من الماضي» بعد أن استقرت سوريا بعد الانتخابات التي جسدت الانتصار العسكري. إلا أن روسيا تدرك أن إغلاق أي جرح على ما فيه من قيح وصديد لا يحقق شفاءً ولا استقراراً، فلا بد من تنظيف الجراح وتحقيق لحمة وطنية جادة، ولابد من معالجة دقيقة للتشظي الحاصل في سوريا على صعيد اجتماعي واقتصادي وأمني.
ولقد تحدث المجتمع الدولي منذ سنوات عن حل «لا غالب فيه ولا مغلوب»، وتمت صياغة القرارات الأممية ضمن هذه الرؤية التي حرصت على وحدة الشعب السوري بكل فئاته وأطيافه، ودعت إلى بناء دولة مدنية ديمقراطية وعقد اجتماعي جديد يقوم على مفهوم المواطنة، وقد مدت دول عربية يد العون للحكومة السورية كي تبقى في دائرتها العربية، وكي لا تقع في مزيد من الانهيار الاقتصادي.. لكن الخطر القائم الآن هو قبول وإبقاء الأمر الواقع الذي يعني بقاء ملايين السوريين في الشمال نازحين مشردين يتعرضون للهلاك يومياً، وهم مهددون بإغلاق معابر الإغاثة عنهم مما ينذر بمجاعة قاتلة، فضلاً عن خطورة جعل التقسيم أمراً واقعاً، لا سمح الله.