على مسافة واحدة تقف الإمارات من كافة القوى الإقليمية والدولية، وأثبتت حضورها في عدد من الملفات والقضايا الإقليمية والدولية المهمة، ولهذا فلا موضع للدهشة عندما نجد الصين تخطب ود أبوظبي، بتأكيد قيادتها على أن علاقتها بالإمارات قوية ومتينة، وهو التصريح الذي نقلته وسائل الإعلام الصينية مؤخراً بمناسبة اختيار دولة الإمارات ضيف شرف دورة هذا العام من منتدى (الابتكار من أجل حياة أفضل للبشرية) والذي عقد في بوجيانغ.
ويأتي اختيار الإمارات من قبل وزارة العلوم والتكنولوجيا في الصين والحكومة المحلية لشنغهاي للدلالة على عمق الشراكة الإستراتيجية بين البلدين، وتأكيداً على العلاقات المتميزة بينهما، والتي أثمرت إنجازات نوعية وخصوصاً في مجال الابتكار بالقطاعات الحيوية والمستقبلية التي تشكل ركيزة أساسية لرؤية الإمارات للصناعة والتكنولوجيا المتقدمة، حتى باتت الشراكة بينهما تمثّل نموذجاً عالمياً على هذا الصعيد، وعلى صعد أخرى من بينها التعاون لمواجهة فيروس كوفيد-19، حيث طورت الصين لقاحاً في وقت قياسي فيما وفرته الإمارات لسكانها، وسجلت نجاحاً كبيراً يتمثّل بوصولها إلى أعلى معدل تلقيح في العالم.
ليست هذه هي المرة الأولى التي يصرح بها الصينيون بعمق علاقاتهم مع الإمارات. ففي شهر مارس الماضي وخلال زيارته للدولة، قال «وانغ يي» وزير خارجية جمهورية الصين الشعبية: إن هناك توافقاً كبيراً بين قيادتي البلدين، بما يعزز المواءمة بين خططهما التنموية، ويدفع الجانبين لإجراء التعاون القائم على المنفعة المتبادلة والكسب المشترك على مستوى أعلى وأعمق، ووصف الإمارات بالصديق الوثيق للصين في الشرق الأوسط ومنطقة الخليج والعالم العربي والإسلامي. وبالرؤية الإيجابية ذاتها للعلاقات التي تحدث بها وزير الخارجية الصيني، فقد كشف «ونغ تشينغ» عمدة شنغهاي لصحيفة «شنغهاي أوبزيرفر» بأن التعاون بين الإمارات والصين في مختلف المجالات يتعمق باستمرار، وأن التعاون المثمر بدأ مع الإمارات منذ عام 2000 في مجالات التمويل والتجارة والبناء الحضري والثقافة، ومن المتوقع أن يستثمر البلدان في فرصة البناء المشترك لمشروع (الحزام والطريق) لخلق المزيد من التعاون في الابتكار التكنولوجي والمدن الذكية والذكاء الاصطناعي، وفي مجالات الأمن البيولوجي والأمن الغذائي وعلوم الحياة والفضاء والطاقة المتجددة والتصنيع المتقدم.
إن الإمارات بموقعها الإستراتيجي ومكانتها الريادية ضمن محيطها تسهم في تمتين علاقة المنطقة مع الصين، خصوصاً وأنها أسهمت في إنجاح الدورة التاسعة من مؤتمر رجال الأعمال العرب والصينيين التي عقدت في شهر أبريل الماضي في بكين ضمن البرنامج التنفيذي لمنتدى التعاون العربي الصيني بين عامي 2020 – 2022، وبتنظيم مشترك بين جامعة الدول العربية والمجلس الصيني لتطوير التجارة الدولية تحت شعار (العمل معاً لتعزيز مستقبل التعاون الاقتصادي والتجاري الصيني العربي).
إن العلاقة التي تجمع بين البلدين الصديقين – الإمارات والصين - هي انعكاس لرؤية قيادة البلدين وتطابق وجهات النظر بينهما بشأن العديد من القضايا الإقليمية والدولية، ووجود نوايا صادقة لهما بشأن تعزيز السلام والأمن في المنطقة، وحرصهما على أهمية تحقيق الاستقرار والاحترام المتبادل وزيادة فرص التعاون بينهما من خلال تنفيذ عدد من المشاريع المشتركة، مثل المرحلة الثانية من رصيف الحاويات لميناء خليفة، والمنطقة النموذجية الصينية - الإماراتية للتعاون في الطاقة الإنتاجية، ومحطة حصيان لتوليد الكهرباء بالفحم النظيف، إلى جانب اهتمام الإمارات بمشروع طريق الحرير ودعمها له بهدف بناء شبكة ضخمة للتجارة تربط آسيا مع قارتي أوروبا وأفريقيا. وتلك المشاريع وسواها مؤشر واضح على الصلات الإستراتيجية بين البلدين، والتي تحقق لهما المزيد من التطور والنماء حاضراً ومستقبلاً.