كما جرت العادة، كان الطلاب في منطقة نيوهول التعليمية في سانتا كلاريتا، بولاية كاليفورنيا، منخرطين في عملية التعلم عن بُعد، حينما اضطرت المنطقة التعليمية فجأة لإلغاء الدروس على الإنترنت في منتصف سبتمبر الماضي، بسبب هجوم سيبراني تسبب في إغلاق شبكة الكمبيوتر في المنطقة التعليمية كلها.
في سنة عادية، كان سيؤدي مثل هذا الهجوم إلى إطفاء المعلمين للتكنولوجيا وتحويل الدروس إلى قاعة الدراسة، غير أن هذا ليس خياراً متاحاً مع التعلم عن بُعد، كما يؤكد «جيف بيلزل» رئيس المنطقة التعليمية. 
ويقول بيلزل: «في هذه الحالة، تمثل التحدي في أن أطفالنا لم يستطيعوا التفاعل مع معلميهم بشكل يومي من خلال تعليم مباشر»، مضيفاً: «كما فقدنا الاتصال بخوادمنا الحاسوبية. ليس سهلاً أبداً أن ينطفئ نظامك الحاسوبي».
دفعت الهجمات السيبرانية عبر الولايات المتحدة هذا الخريف المناطق التعليمية لإرجاء بداية المدرسة، وإلغاء الدروس، وأدت في بعض الحالات إلى الإفراج عن مواد حساسة وبيانات الطلاب.
ويقول خبراء الأمن السيبراني: إن التعليم من مرحلة الروضة إلى الثانوي، بات هدفاً بشكل متزايد لهجمات المجرمين الذين تجذبهم البيانات الحساسة التي بحوزة المناطق التعليمية ودفاعاتها السيبرانية الضعيفة تاريخياً.
الاعتماد المسبوق على التعلم عن بُعد خلال الوباء شجّع القراصنة الإلكترونيين أكثر، ذلك أن الاستخدام المتزايد لأجهزة الطلاب والموظفين في البيت يخلق إمكانيات أكثر للهجوم السيبراني. كما أن شركات التكنولوجيا تقوم بما يعادل سنوات من التعديلات بشكل سريع، ما يؤدي أحياناً إلى استخدام أقل أمناً لتطبيقات جديدة. وتحذر هذه الشركات من أنه ينبغي على المدارس توقع مزيد من الهجمات، ولكنها تقول أيضاً إنه يمكن تقليص الهجمات من خلال التدريب والاستثمار في دفاعات قوية للأمن السيبراني.
وفي هذا الإطار، يقول «كيث كروغر»، الرئيس التنفيذي لاتحاد شبكات المدارس، وهي منظمة مهنية لشركات التكنولوجيا التعليمية: «أعتقد أن هناك تحولاً بكل وضوح»، مضيفاً: «وخاصة مع مشاكل فشل الشبكات أو تعرضها لهجوم عبر كافة أرجاء البلاد».
ومن الأمثلة البارزة التي وقعت مؤخراً الهجوم الذي تعرضت له مدارس مقاطعة دايد في ميامي بولاية فلوريدا، حيث أُوقف مراهق في سبتمبر الماضي بتهمة شن عدة هجمات تسببت في إغراق نظام التعلم الخاص بالمنطقة على الإنترنت بسبب حركة المرور القوية على الإنترنت، ومنعت آلاف الطلبة من تسجيل دخولهم إلى الفصل عبر الإنترنت.
ويقول دوغ ليفن، المستشار في التعليم من آرلينغتون، بفرجينيا، الذي يتعقب الهجمات السيبرانية على المناطق التعليمية العمومية، إن عدد الهجمات السيبرانية على المناطق التعليمية وحدّتها ارتفعا منذ عدة سنوات.
ففي 2019، سجل ليفن 348 حادثاً متعلقاً بالأمن السيبراني، ما يمثل زيادة بثلاث مرات مقارنة مع السنة التي قبلها. هذا العام تقلص عدد الهجمات السيبرانية خلال الأشهر القليلة الأولى من الوباء، ولكنه ارتفع منذ بداية العام الدراسي، وإذا استمر الاتجاه الحالي، فإنه قد يتجاوز إجمالي الهجمات المسجلة العام الماضي.
ويقول ليفن: «إنه تحد للمناطق التعليمية من دون شك»، مضيفاً:«للأسف، موضوع الأمن السيبراني لم يشكل أولوية عموماً في المدارس».
والحال أن المناطق التعليمية، وعلى غرار كيانات حكومية محلية أخرى، كثيراً ما تُشكل أهدافاً جذابة بسبب احتمال استخدامها تكنولوجيا قديمة، واعتمادها على فرق أصغر لتكنولوجيا المعلومات، وحيازة بيانات حساسة.
وتقول «فيكي أندرسون»، وهي عميلة خاصة في مكتب التحقيقات الفيدرالي الـ«إف بي آي»، إن المكتب أطلق تحذيراً هذا الصيف للمناطق التعليمية على الصعيد الوطني بخصوص هجمات الأمن السيبراني خلال التعلم عن بُعد. وتوصي بأن تتخذ المناطق التعليمية خطوات وقائية مثل تدريب الموظفين والطلبة على استخدام كلمات مرور قوية وعدم الضغط على الروابط المشبوهة.
ومن جانبه، ينصح «إف. بي. آي» المدارس بعدم دفع المال للهجمات التي يطالب أصحابها بفدية مالية والاتصال به فورا.
المنظمات مثل «اتحاد شبكات المدارس»، منظمة التكنولوجيا المدرسية، تساعد رؤساء المناطق التعليمية، ومجالس إدارات المدارس، ومديري التكنولوجيا بخصوص الأمن السيبراني عبر توفير موارد مثل التدريب ومنشورات تضم نصائح وإرشادات. كما تقوم بجهود للضغط على «لجنة الاتصالات الفيدرالية» من أجل إدراج الأمن السيبراني ضمن الخدمات المؤهلة في «برنامج المدارس والمكتبات»، الذي يُعد مصدراً رئيسياً لتمويل التكنولوجيا المدرسية.
ويرى «كروغر» أن المناطق التعليمية تختلف اختلافاً كبيراً في قدرتها على توفير الأمن السيبراني، حيث تمتلك المناطق التعليمية الصغيرة والريفية عموماً موارد أقل وخبرات أقل لسن سياسات قوية. كما يلفت إلى أن الانقسام الرقمي المقلق في البلاد يمتد إلى الأمن السيبراني.
ويقول: «يجب علينا تأمين الوصول إلى شبكة الإنترنت ذات النطاق العريض» وبالعودة إلى مدارس نيوهول في كاليفورنيا، تعمل المنطقة التعليمية حالياً مع فريق من المحققين الخبراء في التكنولوجيا من أجل استعادة الوصول إلى خوادم الشبكة. وفي الأثناء، استأنف المعلمون الدروس المباشرة على الإنترنت بعد نحو 10 أيام على الهجوم المطالب بفدية مالية. ويبدو أنه لم يتم الإفراج عن أي بيانات تخص الطلاب أو الموظفين.
ويقول «بيلزل»، رئيس المنطقة التعليمية، إن التجربة كانت مزعجة للموظفين والأسر، ومرهقة لأعضاء قسم تكنولوجيا المعلومات الذين اضطروا للعمل ساعات إضافية. ولكن «الشيء الإيجابي في هذه التجربة هو أن المرء يتعلم دروساً وأشياء يستطيع فعلها من أجل الترقية والدعم». وفي هذا الإطار، تعمل المنطقة التعليمية حالياً على إعادة تقييم أمنها السيبراني وتخطط لرفع توصيات إلى مجلسها الإداري.
من استخدام كلمات مرور قوية و«المصادقة متعددة العوامل» إلى تخزين البيانات في خليط من المواقع الآمنة الافتراضية والحقيقية، تتخذ المناطق التعليمية جملة من الإجراءات لإحباط الهجمات. ويقول بيلزل: «إنني أقول للجميع الآن إن هناك أشياء تستطيعون فعلها حالاً!».
*صحافية أميركية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور».