دفع تكرار الهجمات السيبرانية التي استهدفت شركات كبيرة وضخمة في الآونة الأخيرة بوزيرة التجارة الأميركية، جينا ريموندو، إلى القول صراحة خلال مقابلة صحفية إن إدارة الرئيس جو بايدن تبحث «جميع الخيارات» للدفاع عن البلاد في مواجهة تلك الهجمات، ورغم أن الوزيرة لم تذكر صراحة ماهية هذه الخيارات، فإن جملة «جميع الخيارات» تشير عادة إلى عدم استبعاد أي خيار، بما في ذلك «الخيار العسكري»، ما يعتبر تصعيداً كبيراً من قبل الإدارة الأميركية في مواجهة الجهات التي تشن مثل هذه الهجمات.
هذا التصعيد الأميركي جاء انطلاقاً من إدراك سليم بأن هذه الهجمات السيبرانية باتت تشكل تهديداً للأمن القومي للدولة الأقوى في العالم، فشن هجمات سيبرانية ضد قطاعات مثل الطاقة، والاتصالات، والنقل، والأنظمة المالية، وغيرها من قطاعات البنية الأساسية، والقطاعات الحيوية قد يتسبب في تخريب هذه القطاعات أو تدميرها بالكامل، مما قد يؤدي إلى نشوب حالة من الفوضى الداخلية التي قد تستغلها جهات معادية للإضرار بحالة الأمن والاستقرار في الدولة المستهدفة.
وقد تؤدي هذه الهجمات التي دأبت على شنها جهات تحرص على أن تخفي هويتها إلى حروب سيبرانية بين الدول، لا سيما مع اتجاه العديد من الدول إلى تطوير قدراتها العسكرية السيبرانية بشكل كبير، سواء لأغراض هجومية أو دفاعية، ما ينبئ بأننا أمام تحول مهم يشكل خطراً كبيراً لجميع الشعوب والدول والمجتمعات. وتزداد الخطورة إذا ما نجحت جماعات الإرهاب في امتلاك قدرات سيبرانية تستخدمها في شن هجمات إرهابية تستهدف المنشآت الحيوية للدولة، إما للاستيلاء على معلومات مهمة وحيوية من هذه المنشآت مثل المعلومات الأمنية أو العسكرية، أو لتخريب وتدمير منشآت صحية أو مالية أو اقتصادية، أو تلك التي تتعلق بالبنية التحتية، وفي كلتا الحالتين فإن مثل هذا السيناريو يشكل خطراً كبيراً على حالة الأمن والسلم الدوليين. 
ورغم أن هناك قواعد وقوانين دولية للحروب التقليدية، فإن التعاطي مع الهجمات السيبرانية يواجه معضلة قانونية في ظل عدم وجود اتفاق دولي حول ماهيتها وطبيعتها، وعدم وجود قوانين أو اتفاقيات دولية تحدد مسؤوليات الدول أو الجهات التي قد تقوم بشنها، وهو ما يشكل معضلة قانونية تحتاج إلى تحرك جاد لمواجهتها، من خلال التحرك في اتجاه تعزيز التعاون الدولي من خلال إقرار قواعد قانونية جديدة لتنظيم العمليات السيبرانية والتعامل مع المخاطر المترتبة عليها.
وحرصاً على أداء دوره في استشراف المستقبل بالمعرفة، ألقى «تريندز للبحوث والاستشارات» الضوء على هذه القضية الملحة، خلال ندوة عقدها عن بُعد الأسبوع الماضي شارك فيها نخبة من المتخصصين في هذا المجال، وتحدث خلالها سعادة الدكتور محمد حمد الكويتي، رئيس الأمن السيبراني لحكومة دولة الإمارات العربية المتحدة، الذي أكد على ضرورة أن يكون هناك جهد دولي يقوم به المجتمع الدولي لوضع مبادئ قانونية حاكمة ومُحَوكَمَة للتعاطي مع هذه التهديدات، بحيث يتم التوصل إلى اتفاقيات قانونية تلزم الدول والجهات التي تشن هجمات سيبرانية بأن تتحمل مسؤوليتها تجاه ما يحدث من أضرار جرائها.

تريندز للبحوث والاستشارات