لماذا لا يحب بعض المديرين أن يكون حوله من يفكر؟ سؤال يطرحه كثير من الناس، عندما تلاحظ مسؤولي بعض المؤسسات نادراً ما تجد حولهم من يفكر بطريقة صحيحة أو إبداعية، فما هو السبب؟
المفكر الحقيقي والمبدع تحديداً لا يحب القولبة أو ما يعرف بتأطير العقول، أي أن يكون حول عقله إطار محدد يحول بينه وبين حرية التفكير وجمال التأمل، لذلك من النادر أن ترى مفكراً منتمياً إلى جماعة متطرفة أو حزب إرهابي، والسبب أن هذه الجماعات والأحزاب تتفنن في تربية الناس على الانغلاق والإيمان برأي واحد لا يقبل التشكيك، العامل نفسه يقود المفكر إلى الابتعاد عن المؤسسات التي تحجر عقله وتجعله يفكر بصورة نمطية.
العامل الثاني في عزوف المفكرين عن الانتماء إلى بيئة عمل ديكتاتورية هو فكرة المسايرة، أو ما يعرف بنظرية القطيع، فبعض المؤسسات والإدارات تفرض على العاملين فيها أن يكونوا على صورة عقل واحد، وأن يستنسخوا بالإجماع عقلية المدير، وهذا يتطلب قدراً من المسايرة لا تتحمله العقول المفكرة.
العامل الثالث في هذا الإطار يتمحور حول حب المفكر لموهبته، التي منحها له الخالق سبحانه ورغبته في أن يقطف ثمار تلك الموهبة، فالتفكير المنغلق لا يسمح للمواهب أن تنضج، ولا يُمكّنها من تحويل أفكارها الخلاقة إلى ممارسات عملية أو مشاريع واقعية، ومن هنا نجد أن بعض الدول والمؤسسات لا تستطيع استيعاب الموهوبين لديها، مما يحول العقول الموهوبة إلى عقول مهجورة أو مهاجرة. العقول المهجورة هي التي ارتضت لأسباب معينة أن تبقى صامته ومنزوية على ذاتها داخل تلك المؤسسات والدوائر. أما العقول المهاجرة، فهي تلك التي قررت ترك تلك المؤسسات إلى غيرها، وإنْ لم تجد ضالتها في وطنها هاجرت إلى دول تتلقى الموهوبين بصدر رحب، وتؤمن لهم كل سبل تحويل أفكارهم إلى واقع استثماري ناجح. 
العامل الرابع مرتبط بالتقدير المالي، فنحن إلى الآن لم نتمكن من تقدير ثروة العقول المفكرة، فنعاملهم مثل أو في أحيان كثر بأقل من غيرهم، مما عزز نفسية الإحباط لدى المبدع عندما يرى أن التقليدي في تفكيره ذو شأن عالٍ، ومن الغريب أن نجد في بعض المؤسسات استبعاداً لبعض طلبات التوظيف أو الترقية تحت بند إن قدرات الموظف تفوق متطلبات العمل لديهم. 
ولأننا في الإمارات العربية المتحدة محظوظون بقيادة تشجع الابتكار وتدعم المبدعين المفكرين وتسعى لاستقطابهم من مختلف دول العالم، لابد من العمل على الإجابة عن تلك التساؤلات التي تم طرحها في مقدمة المقال، لماذا لا يحب بعضهم المفكرين؟ وكيف نستطيع أن نكتشفهم أولاً ثم نطورهم، ومن ثم نستفيد من قدراتهم وأفكارهم في صورة مشاريع، يتم دعمها كي نقطف ثمار أفكارهم؟ وكما إننا نخالف المؤسسات التي لديها أداء منخفض في التعامل مع المراجعين، ينبغي علينا محاسبة من يتعمد تهميش الموهوبين، ومكافأة المؤسسات التي تستقطب العقول المفكرة.
* أكاديمي إماراتي