حان فجأة موسم اجتماعات القمم لدى الرئيس جو بايدن. فخلال أسبوعين، يشارك بايدن في ثلاث قمم إحداها ذات هدف أكثر أهمية، يتمثل في اتباع استراتيجية جديدة تجاه روسيا تشمل تواصلاً دبلوماسياً ومحاسبة فعلية للرئيس فلاديمير بوتين عن انتهاكات حقوق الإنسان في الداخل والعدوان في الخارج. أيبدو هذا صعباً؟ إنه صعب بالفعل. فقد فشلت الإدارات الأميركية المتعاقبة في تحقيقه منذ أن أعلن الرئيس جورج بوش الابن، بعد قمة عقدت عام 2001، أنه فهم «روح» بوتين وتوقع إقامة «علاقات بناءة للغاية» مع موسكو. ومنذئذٍ، أصبح بوتين أكثر اتجاهاً نحو المواجهة على مستوى العالم. و

هذا يجعل التحدي الذي يواجهه الرئيس بايدن الآن أكثر مشقة. 
وهذا يصح بشكل خاص حين يتعلق الأمر بإجبار بوتين على دفع ثمن لسياسات موسكو. فالعقوبات الاقتصادية والدبلوماسية، وهي الخيار التقليدي الأميركي للضغط، ليس لها إلا القليل من التأثير على السياسات الروسية. وهناك حاجة إلى تنسيق مع الحلفاء واستخدام أدوات جديدة. والرئيس بايدن سيقوم بخطوته نحو تواصل دبلوماسي في قمة 16 يونيو مع الرئيس بوتين في مدينة جية. ويواجه بايدن بالفعل انتقادات من سياسيي الحزب «الجمهوري» ومن بعض مسؤولي المعارضة الروسية بسبب موافقته على الاجتماع مع بوتين. 
وسُئل بايدن عن سبب «مكافأة» الزعيم الروسي رغم اعتقاله زعيم المعارضة «ألكيسي نافالني». ولماذا «المكافأة»؟ في الوقت الذي حشدت فيه روسيا- بعد أن ضمت شبه جزيرة القرم من أوكرانيا المجاورة- آلاف الجنود على حدود أوكرانيا، وفي الوقت الذي أيد فيه الكرملين حليفته روسيا البيضاء في خطف طائرة مدنية لاعتقال شخصيات معارضة الشهر الماضي. ولماذا الاجتماع في غمرة هجوم روسي رقمي متصاعد على أميركا وحلفائها الأوروبيين؟ 
لكن إدارة «بايدن» تنظر إلى القمة بشكل مختلف. فهي لا ترى فيها «مكافأة»، بل خطوة نحو استعادة «إمكانية التوقع والاستقرار» في العلاقات الأميركية مع موسكو، بحسب قول جين ساكي، المتحدثة باسم البيت الأبيض. وبايدن يرى أن هذا يعني التعاون، قدر الإمكان، في شؤون المصالح المشتركة، مثل التحكم في انتشار الأسلحة وتغير المناخ والجائحة، بل ربما في المناطق المضطربة، مثل الشرق الأوسط. ومع تركيز السياسة الخارجية للإدارة على الصين، فقد يجنح بايدن إلى تفادي علاقة خصومة تامة مع الكرملين. لكنّ مسؤولين أميركيين يقولون إنه حين يجلس مع نظيره الروسي لن ينخرط بايدن في حديث سعيد. فحديثه سيكون مباشراً ينتقد فيه سجل روسيا في حقوق الإنسان وعدوانها الرقمي ويتناول مسألتي أوكرانيا وروسيا البيضاء. 
لكن الصعوبة الرئيسية التي سيواجهها بايدن لا تتعلق بما سيقوله لبوتين، الأمر يتعلق بإظهار القوة في رسالته. وهذا يعني العثور على أدوات لكبح التصرفات الروسية بفعالية أكبر عن الماضي والحصول على دعم من حلفاء الولايات المتحدة. وهنا يأتي دور القمتين الأخريين السابقتين على قمة جنيف. وأولى القمم هي قمة زعماء الدول الصناعية السبع الكبرى التي استضافها، في الأيام القليلة الماضية، رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون في كورنويل، على الساحل الجنوبي الغربي لإنجلترا. وبعد ذلك سينتقل بايدن إلى بلجيكا لحضور قمة في يوم 14 يونيو لحلف شمال الأطلسي «ناتو». 
وحلف الناتو محوري في استراتيجية بايدن. فمع انتشار قوات الحلف في الآونة الأخيرة في شرق أوروبا وإجراء تدريبات يعكسان استعداداً عسكرياً كبيراً هذا الشهر، يلمح الحلف إلى استعداده التصدي لأي تهديد للأعضاء الأوروبيين، بما في ذلك الجمهوريات السوفييتية السابقة، مثل استونيا ولاتفيا وليتوانيا أو الدول التي كانت تابعة ذات يوم للاتحاد السوفييتي، مثل بولندا والمجر. وتعالج قمة «الناتو» طائفة من القضايا الأمنية، لكن قائمة الأولويات تركز على قضيتين من المؤكد أنهما ستظهران في محادثات بايدن وبوتين بعد أيام قليلة. والقضيتان هما «التحركات الروسية» و«الهجمات الرقمية». لكن من المثير للسخرية، قد يتضح أن اجتماع قمة السبع هو الأكثر أهمية. فاجتماعات الدول الصناعية السبع الكبرى تتناول القضايا الاقتصادية والاجتماعية للعالم الأوسع. ورسمياً، روسيا ليست على قائمة الأولويات. لكن بايدن بحاجة إلى مساعدة أوروبية للضغط على بوتين. وزعماء فرنسا وألمانيا والاتحاد الأوروبي يتفقون على قضايا الاهتمام ونسقوا، في السنوات القليلة الماضية، فرض عقوبات على مسؤولين روس ومؤسسات روسية.
لكن الأوروبيين لهم أيضاً علاقات اقتصادية بروسيا تجعلهم يترددون في المجازفة. فهناك خط أنابيب «نورد ستريم-2» البحري الذي ينقل الغاز الطبيعي الروسي إلى ألمانيا. والمشروع واجه معارضة شديدة من كل الأطياف السياسية في الولايات المتحدة. لكن بايدن رفع، الشهر الماضي، العقوبات على الشركات التي ساعدت في بناء خط الأنابيب، في بادرة حسن نوايا، فيما يبدو، تساعد في كسب الأوروبيين في صف استراتيجيته الأوسع تجاه روسيا. وسيجتمع بايدن الآن مع الحلفاء في الوقت الذي يحث فيه بعض الخبراء في السياسة الروسية، وأيضاً المعارض الروسي نافالني وكبار مساعديه، على فرض عقوبات أكثر دقة تستهدف تجميد أو مصادرة أصول طبقة الأثرياء المسيطرين سياسياً. 
وجانب كبير من ثروة هؤلاء الأثرياء تتدفق عبر أسواق لندن المالية. وفرضت بريطانيا بعض العراقيل في السنوات القليلة الماضية على هذه الأنشطة، لكن هناك حاجة إلى عمل أشد قوة إذا أراد مسعى أوروبي أميركي إحداث تأثير أكثر فعالية على السياسة الروسية. ونتائج قمة السبع ستوضح مدى احتمال حدوث هذا. 

*صحفي أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»