في كل يوم يمر، يشهد العالم تطوراً في تنوع العقوبات الدولية، وتوسعاً في نطاق تأثيرها، ولا يخفى على أحد، أن العقوبات الاقتصادية وما يتبعها من تجميد للأصول وتحقيقات مالية جنائية، باتت تستخدم اليوم كسيف مسلط وسلاح مدمر على مختلف دول العالم، وتلجأ إليه الدول الكبرى للدفاع عن مصالحها السياسية والاستراتيجية من خلال إمساكها بالمفاصل الأساسية للاقتصاد العالمي، وذلك كبديل من اللجوء إلى حروب طاحنة تكبدها خسائر بشرية ومالية وأضراراً كبيرة.
وإضافة إلى العقوبات الأكثر تأثيراً الصادرة عن مجلس الأمن الدولي تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، هناك عقوبات متعددة الأطراف صادرة عن الاتحاد الأوروبي، في سياق «خطة عمل لحقوق الإنسان والديموقرطية»، وهو إطار جديد للعقوبات يمكن استخدامه في حالات التعذيب والعبودية أو العنف المنهجي.وكذلك هناك عقوبات أحادية الجانب تصدر عن دول معينة كالولايات المتحدة، مثل «قانون قيصر» لحماية المدنيين السوريين، والذي يشمل فرض عقوبات على النظام السوري ومؤسساته والمتعاونين معه.وقانون «ماجنيتسكي» الذي يتعلق بفرض عقوبات على أي أجنبي متهم بالفساد أو بانتهاك حقوق الإنسان. وقانون «باتريوت» لمحاربة الإرهاب. وكذلك قانون مكافحة أعداء أميركا، وهو يتيح فرض عقوبات على إيران وكوريا الشمالية وروسيا. 
وفي سياق الآثار المدمرة الناتجة من جائحة «كورونا»التي غيرت وجه الاقتصادات وهزت الاستقرار العالمي، جاءت العقوبات الدولية أكثر إيلاماً خصوصاً في بعض الدول التي تعاني تداعيات «هشاشة» اقتصاداتها. ويواجه المجتمع الدولي تحديات مخاطر هذه العقوبات والتعامل معها في ظل المتغيرات الجيوسياسية والاضطرابات الأمنية والحروب التجارية، وما تتطلبه من مواكبة على صعيد آليات عمل السلطات التشريعية والرقابية والأمنية والمؤسسات المالية. 

وقد حذر المؤتمرون العرب من 19 دولة في منتدى «تحديات الامتثال وتعزيز العلاقات مع المصارف المراسلة»، الذي انعقد في 27 مايو الماضي في بيروت من تأثير العقوبات على المصارف والمؤسسات المالية، مع التركيز على أن عدم الامتثال للقوانين والتشريعات الصادرة عن الهيئة الرقابية، وخاصة الأميركية منها، والمتعلقة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب ومحاربة الفساد، يساهم في تنامي ظاهرة«صيرفة الظل»، حيث تبرز مشكلة جديدة تتجلى في قنوات مالية غير خاضعة لأي نوع من أنواع الرقابة.
ويلاحظ أن نشاط «بنوك الظل» يزداد حجماً واتساعاً، ويزداد معه قلق المستثمرين من مخاطر نتائج العمليات التي تقوم بها وتداعياتها، وما توفره من أسباب لحدوث أزمات مالية ومصرفية متتالية تهدد الاقتصادالعالمي.علما أن حجم صيرفة الظل يقدربنحو 70 تريليون دولار، وقد حذرصندوق النقد الدولي من تفاقمها وإرتفاع مخاطرها. الأمر الذي يتطلب تشدداً أكثر في الرقابة على تطبيق مبادئ قاعدة «اعرف عميلك وعميل عميلك»، وتوسيع آليات التنسيق والتعاون بين القطاع المصرفي والسلطات الرقابية والقضائية والأمنية. 

* كاتب لبناني متخصص في الشؤون الاقتصادية