يبدو أن انسحاب الرئيس جو بايدن المعلن من أفغانستان يسير قبل الموعد المحدد، حيث من المقرر أن تغادر جميع القوات الأميركية بحلول منتصف يوليو، كما يلتزم «الناتو» والقوات المتحالفة بهذا الجدول الزمني أيضاً. ولكن إذا كان الرئيس يريد إنهاء تورط الولايات المتحدة في أفغانستان بشكل كامل قائلاً: إن منطق الحرب انتهى بمجرد تدمير تنظيم «القاعدة» وقتل أسامة بن لادن. فهذا يكشف عن افتقار مذهل إلى الاستبطان حول دور الولايات المتحدة في الصراع الذي سيستمر في أفغانستان.
صحيح أن الرئيس لم يكن لديه خيار جيد بشأن أفغانستان، وأنه ورث صفقة سيئة من سلفه. لكن بإعلانه انسحاباً غير مشروط، زاد الوضع سوءاً من خلال التخلص من الحد الأدنى للشروط التي تفاوض عليها المبعوث الخاص زلماي خليل زاد في ظل إدارة ترامب.

ما تردده إدارة بايدن هو أن الولايات المتحدة لن تتخلى عن أفغانستان، وأنها ستهدف إلى فعل ما هو في صالح النساء والفتيات الأفغانيات، وأنها ستحاول دفع طالبان وكابول نحو إبرام اتفاق سلام باستخدام مجموعة أدوات دبلوماسية. لكن السرد يتجاهل الكثير من الواقع. في 8 مايو الماضي، قُتل ما لا يقل عن 90 شخصاً، العديد منهم طالبات، في هجوم إرهابي مروع خارج مدرسة ثانوية في كابول. ونفت «طالبان» مسؤوليتها لكنها زادت الهجمات في جميع أنحاء أفغانستان. اشتد القتال بين قوات الأمن الأفغانية و«طالبان» في مدن مختلفة؛ وفي مراكز المقاطعات الأخرى، استسلمت القوات الأفغانية لـ«طالبان».

في غضون ذلك، رفضت «طالبان» مراراً وتكراراً الحضور إلى مؤتمر إسطنبول المقترح للإدارة بشأن أفغانستان -والآن، بعد جهود مكثفة، يقولون إنها لن تحضر إلا إذا كان المؤتمر قصيراً، وعلى مستوى متواضع ولا يتضمن اتخاذ قرارات بشأن القضايا الحاسمة. لقد حولوا العملية برمتها إلى مهزلة، وهي نتيجة توقعها الكثيرون منا بسبب الانسحاب غير المشروط. من شبه المؤكد أن أفغانستان تتجه نحو مزيد من العنف، حيث قلصت السفارات وجودها بسرعة أو أغلقت بالكامل بسبب مخاوف أمنية، بحسب ما أعلنت السفارة الأسترالية مؤخراً. يمكن للمرء أن يتخيل كيف يبدو سرد «تم إنجاز المهمة» وكأنه غير مُدرك من قبل الأفغان الذين يعيشون هذا الواقع.

جاء خيار الولايات المتحدة استناداً إلى التكاليف المرتبطة بكل قرار. مع البقاء، كانت التكلفة هي خسائر محتملة في القوات والخوف من أن الأمور لن تتغير على الأرض. ومع المغادرة فإن التكلفة هي نزاع أعمق في أفغانستان وتراجع التقدم المحرز هناك على مدى العقدين الماضيين. من نواحٍ كثيرة، تبدو تكاليف البقاء أقصر أجلاً وتتحملها الولايات المتحدة، في حين أن تكاليف المغادرة سيتحملها الأفغان في الغالب على مدى فترة زمنية أطول. ومع ذلك، حتى لو بدت هذه التكاليف بعيدة الآن، يخبرنا التاريخ أنه سيتم إلقاء اللوم فيها على الولايات المتحدة.

يبدو أن بايدن، على حد تعبير مجلة الإيكونوميست، «لديه القليل من الوقت لقضية خاسرة». ويعكس قراره أيضاً السياسة الخارجية لإدارته فيما يتعلق بأنموذج الطبقة المتوسطة الأميركية، والذي يركز على الاعتبارات المحلية أكثر من الاعتبارات الدولية (وهل يختلف هذا كثيراً عن شعار «أميركا أولاً» الخاص بترامب؟). ومع ذلك، فإن المفارقة هي أن الطبقة المتوسطة الأميركية لا تهتم إلى حد كبير بأفغانستان -فقد أفسح تقلبها المجال لدعم هذا القرار بمجرد الإعلان عنه، ولكن لن يكون من الصعب تخيل موافقة الجمهور على سيناريو أبقى بضعة آلاف من القوات هناك لفترة أطول.

ربما يكون الأمر الأكثر إثارة للقلق هو الرواية التي قدمها الرئيس جنباً إلى جنب مع الأساس المنطقي للانسحاب: إننا ذهبنا إلى أفغانستان لهزيمة «القاعدة» بعد 11 سبتمبر، وقد دفعنا التوسع في المهمة إلى البقاء لفترة طويلة جداً، وبالتالي فقد حان الوقت من أجل الخروج. هذا يأخذ نظرة غير كاملة للوكالة الأميركية في الحرب في أفغانستان. تشير الرواية إلى أن الصراع الأهلي في أفغانستان اليوم لم ينشأ معنا -وأن هذه الحرب، التي استمرت أكثر من 40 عاماً، والتي بدأت مع الغزو السوفييتي لأفغانستان في 1979، سبقتنا وستتبع رحيلنا.
حقيقة الأمر هي أنه من خلال بدء الحملة في أفغانستان عام 2001 والإطاحة ب«طالبان»، الذين كانوا آنذاك منخرطين في حكمهم الوحشي، وتنصيب حكومة جديدة، بدأنا مرحلة جديدة من الصراع الأفغاني -مرحلة جعلت حكومة كابول والولايات المتحدة في مواجهة مع تمرد «طالبان». لم يكن للشعب الأفغاني رأي في هذا الأمر. إن حقيقة أننا نترك النساء والأطفال والشباب الأفغان أحسن حالاً من نواحٍ كثيرة بعد 20 عاماً أمر يرجع إلينا، ويجب أن نفخر بذلك. لكننا نتركهم غارقين في صراع دموي هو أمر يرجع إلينا أيضاً، لأننا لم نتمكن من صد تمرد «طالبان»، ويجب أن نأخذ ذلك في الحسبان علنا.
إذا كانت هذه إدارة تأخذ القيادة الأميركية على محمل الجد -وأعتقد أنها كذلك -فعليها أن تتخلص من الرواية البسيطة التي قدمتها حتى الآن، وتحسب دورنا ومسؤوليتنا في هذا التكرار الأخير للصراع الأفغاني. بعيداً عن جعلنا نبدو ضعفاء، فإن مثل هذه الأمانة ستجعل الولايات المتحدة تنال مصداقيتها على المسرح العالمي.

مديحة أفضال*

*خبيرة اقتصادية وزميلة في برنامج السياسة الخارجية وأستاذ مساعد بكلية السياسة العامة، جامعة ماريلاند
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»