كانت إساءة وزير خارجية دويلة «حزب الله» شربل وهبة لدول الخليج العربي مدوية بكل المقاييس والأعراف السياسية والأخلاقية والدبلوماسية. فهي في عمقها ودلالاتها وخلفياتها تطاول كل العرب. بعنصريتها الفاقعة، وبسوقيتها النافرة، وهي في صدورها عن وزير ثانوي ينتمي إلى تيار الرئيس عون، تزدوج باستقوائها بـ«حزب الله»! فهذا الوزير غير العارف بدوره وبالبروتوكلات الدبلوماسية لا يمكن فصل سلوكه ومواقفه عن قيادة تياره. فالعنصرية التي فضحتها كلماته لصيقة بتقاليد تياره، وتجسد نوعاً من الكراهية للعرب كلهم، من الخليج وصولا إلى السودان والمغرب ومصر. وقد تعمّقت مسالك هذه العنصرية، تماهياً مع حليف التيار (العضوي المصيري) «حزب الله»، ومن الطبيعي أن تلتقي العنصريتان. وكلنا نعلم كم مرة عبّر فيها الحزب وحلفاؤهم عن هذه العرقية، سواء في لبنان أم في العراق أم في اليمن أم حتى في سوريا.
فهذه المشاعر الغريزية جزء من أيديولوجية الوزير وطريقة تفكيره وممارساته. فـ«محور الممانعة»، وهو الامتداد الواضح لسياسات الملالي، يعرف جيداً أن إقصاء عروبة لبنان عن العرب يؤدي إلى استفراسه، بعزله عن أرومته، وتاريخه، وحتى جغرافيته.. وقد وُقّت للوزير شربل وهبة أن يُهاجم السعودية ودول الخليج والعرب بهذا العنف، لتوسيع الشروخ بينهم وبين لبنان، وصولاً إلى انتمائه، ودستوره وكيانه. فهي اللحظة التي تقدمت فيها مصر بقوة إلى المعادلة العربية والعالمية، في دورٍ طليعيٍّ وفاعلٍ خدمةً لقضايا العرب من ليبيا إلى الخليج إلى لبنان. وهي اللحظة التي توهّم فيها الحزب هشاشتها بين لبنان والخليج؛ لأسبابٍ تتصل بعلاقة بعض التيارات والأحزاب اللبنانية بحكومات «حزب الله»، والتي كانت على الدوام من الأدوات الأساسية لإلغاء الدولة لصالح الدويلة، ومن المنصات التي تستخدم ضد دول الخليج العربية.
لكن، جرت الرياح بما لا يشتهي تيار عون والحزب، عندما، وفي لحظة استثنائية، هبّ لبنان السيادي العروبي بكل فئاته السياسية والدينية والاقتصادية والثقافية والإعلامية، ليدين هذه «الخيانة» التي ارتكبها الوزير وهبة، ودفع ثمنها باستقالته، ليعلن لبنان بالفم الملآن تمسكه بتاريخه المتجذر بالأرومة العربية، وبوفائه لدول الخليج التي كانت دائماً إلى جانبه في ملمّاته وأزماته ومصاعبه.
ويتجاوز في الوقت ذاته هذا الحدث، ببعده السياسي التفصيلي، إلى ما هو جوهري، أي إلى ما يعتلج في الصدور ويعتمل في الضمائر ويتجلى في إعلان أن لبنان يكون بلداً عربياً أو لا يكون. أو يكون ذا هوية عروبية أو لا يكون. فهو من دون العرب بلا حاضر وبلا مآل. وكأن لبنان يهتف عبر المقالات والإعلام على لسان قياداته: أن العروبة ضرورة عضوية له. وهنا سرّ اللبنانيين، في الالتفاف حول دول الخليج كمن يلتف حول ذاته. إنها في النهاية، صدمة إيجابية أو مبتدأ آخر، يمكن أن يؤدي إلى وضع استراتيجية عنوانها: كيف يتم إنقاذ لبنان من كوابيس الوصاية الملالية، لتكون نقطة الانطلاق رسالة عبر العرب إلى كل العالم لمساعدته، لأن تأليف حكومة من هنا، أو إجراء انتخابات من هناك، ليس هو المهم، بل باستعادة سيادته وحدوده وقراره. وهذا غير ممكن من دون سنده، ليعود إلى البيت العربي وحده بلا أحمال، ولا وصايات. وهنا بيت القصيد، في هذه الصدمة التاريخية التي عبّر بها اللبنانيون، كما لم يعبّروا من قبل، أي عن وحدة مصيرهم بالعرب.


*كاتب لبناني