نحن نتحدث عن أربع دولٍ عربيةٍ صارت الانتخابات فيها معتبرةً حلاًّ أو مخرجاً من الأزمات المتراكمة: العراق وليبيا وسوريا ولبنان. ويبدو كلٌّ من العراق وليبيا الأكثر تقدماً على هذا المسار حتى الآن. فمجلس النواب في العراق اشترع قانوناً للانتخابات وحدَّدت الحكومة العراقية القائمة تاريخاً لإجرائها، ثم أجّلته لشهرين ونيف لأسبابٍ لوجستية كما قيل. لكنّ تحسُّن الأجواء السياسية والشعبية والأمنية الذي يُمكن أن يسهّل العملية الانتخابية لم يحصل بعد. ففي يوم الخامس والعشرين من شهر مايو الجاري تظاهرت حشودٌ من الشباب العراقيين في ساحة التحرير ببغداد، مطالبةً بكشف هويات الذين يمارسون عمليات الاغتيال بين الناشطين، ونتيجة الصدام مع القوى الأمنية سقط قتيلان من المتظاهرين. وحتى الآن ما استطاعت السلطات الحكومية أن تجلب أحداً للعدالة رغم استمرار الاغتيالات. وقبل أيام أصدرت جهات مسلَّحة بياناً عن استمرار النضال ضد القوات الأميركية لحين انسحابها من العراق، وهو «النضال» المستمر بشكلٍ شبه يومي دون أن يُقبض على أحدٍ معتبر، ربما باستثناء القبض على قاسم مصلح مؤخراً.
والوضع في ليبيا مختلف، مع تشابهات بينه وبين الوضع العراقي. فقد جرى التمهيد من خلال الحلّ الدولي للانتخابات بمجلس رئاسي جديد، وحكومة جديدة، وتحديد موعد للانتخابات آخر العام. وهناك «تمهيدات» مقررة في تعيين أعضاء المجالس التي سميت سيادية بالتحاصص بين المناطق والقبائل، مثلما حصل في المجلس الرئاسي والحكومة وما جرى الاتفاق على تلك المناصب بعد. لكنّ الأهمّ هو الاتفاق على خروج المرتزقة والقوات الأجنبية وتوحيد الجيش الوطني قبل الانتخابات. وهي الأمور التي لم يُحسم أو لم ينفذ منها شيء حتى الآن.
وهناك الانتخابات الرئاسية في سوريا والتي جرت يوم 26 مايو الجاري وقبله في بعض البلدان التي تؤوي اللجوء السوري. إنما حتى في سوريا ما كانت هناك انتخابات في المناطق الخاضعة للأكراد (والأميركان) أو الخاضعة للأتراك. وقد فاز الرئيس السوري الحالي للمرة الرابعة في الانتخابات الجديدة. لكنّ القوى الغربية الكبرى ما اعترفت بها، في حين اعترف بها الروس والصينيون وإيران.. والعراق.
وقد كان هناك خلافٌ شديد حول الانتخابات في لبنان بين القوى السياسية. فـ«القوات اللبنانية» و«الكتائب» والقوى المدنية في الثورة تحمّسوا لانتخابات مبكرة وفق القانون الحالي، في حين قابل هذه الدعوات برود من طرف كل من «تيار المستقبل» وحركة «أمل». بل إنّ رئيس البرلمان نبيه بري حاول في لجان مجلس النواب توحيد الدوائر الانتخابية في أنحاء لبنان في دائرةٍ واحدة لتعديل القانون بهذه الطريقة. وما كان موقف تيار الرئيس عون وباسيل معروفاً. لكنّ «القواتيين» و«العونيين» اجتمعوا أخيراً وقرروا أنهم قد يستقيلون من مجلس النواب للإرغام حتى على الانتخابات المبكّرة! 
تبدو الانتخابات النيابية والرئاسية الدورية ظاهرةً معتادة ومشروعة للتغيير في كل الجمهوريات والأنظمة الديمقراطية. لكنها لا تبدو كذلك في الدول العربية التي شهدت أزمات متلاحقة في السنوات العشر الماضية. لكن ما دامت الثورات والخضّات ما أتت إلا بتغييرات سلبية، فقد كان يمكن اعتبار الانتخابات عودةً سلميةً مشروعةً لطريق مشروع. على أنّ الذي يبدو الآن، وفي البلدان الأربعة المذكورة معاً، هو أنّ المسار الانتخابي لا يعجب الكثيرين، بمن فيهم بعض الذين كانوا مسيطرين في المرحلة الماضية. 
فهل أنه حتى الانتخابات تحتاج إلى مصالحات وتوافقات مسبقة، بحيث لا تبدو في نتائجها غلبةً لفريقٍ على آخر؟!
 
*أستاذ الدراسات الإسلامية بالجامعة اللبنانية